الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إيماناً حقاً { لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ } المشركين { أَوْلِيَآءَ } وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم، وتطلعونهم على ما لا يجوز إطلاعهم عليه من شئونكم، وتلقون إليهم بالمودة... فإن ذلك يتنافى مع الإِيمان الحق، ومع الإخلاص للعقيدة وإيثارها على كل ما سواها من زينة الحياة. والمراد النهى لكل فرد من أفراد المخاطبين عن موالاة أى فرد من أفراد المشركين، لأن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، كما فى قوله - تعالى -وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } قال القرطبى وخص - سبحانه - الآباء والإِخوة إذ لا قرابة أقرب منها. فنفى الموالاة بينهم ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان. ولم يذكر الأبناء فى هذه الآية، إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء. والإِحسان والهبة مستثناه من الولاية. " قالت أسماء يا رسول الله إن أمى قدمت على راغبة وهى مشركة أفأصلها؟ قال نعم. " صلى أمك ". وقوله - سبحانه - { إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ } قيد فى النهى عن اتخاذهم أولياء. والاستحباب طلب المحبة يقال استحب له بمعنى أحبه كأنه طلب محبته. أى لا تتخذوهم أولياء إن اختاروا الكفر على الإِيمان وأصروا على شركهم وباطلهم.. أما إذا أقلعوا عن ذلك ودخلوا فى دينكم، فلا حرج عليكم من اتخاذهم أولياء وأصفياء. وقوله { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } تذييل قصد به الوعيد والتهديد لمن يفعل ذلك. أى ومن يتولهم منكم فى حال استحبابهم الكفر على الإِيمان. فأولئك الموالون لهم هم الظالمون لأنفسهم، لأنهم وضعوا الموالاة فى غير موضعها، وتجاوزوا حدود الله التى نهاهم عن تجاوزها. وسيجازيهم - سبحانه - على ذلك بما يستحقونه من عقاب. ثم أمر - سبحانه - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن للناس هذه الحقيقة وهى أن محبة الله ورسوله يجب أن تفوق كل محبة لغيرهما فقال - تعالى - { قُلْ } يا محمد لمن اتبعك من المؤمنين { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ } الذين أنتم بضعة منهم، { وَأَبْنَآؤُكُمْ } الذين هم قطعة منكم { وَإِخْوَانُكُمْ } الذين تربطكم بهم وشيجة الرحم { وَأَزْوَاجُكُمْ } اللائى جعل الله بينكم وبينهن مودة ورحمة { وَعَشِيرَتُكُمْ } أى أقاربكم الأدنون الذين تربطكم بهم رابطة المعاشرة والعصبة { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } أى اكتسبتموها فهى عزيزة علكيم. وأصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجر، والجلدة عن الجرح ثم استعير الاقتراف للاكتساب مطلقاً { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } أى تخافون بوارها وعدم رواجها بسبب اشتغالكم بغيرها من متطلبات الايمان. يقال كسد الشئ من باب نصر وكرم. كساداً وكسوداً. إذا قل رواجه وربحه. { وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ } أى ومنازل تعجبكم الإِقامة فيها. قل لهم يا محمد إن كان كل ذلك - من الآباء والأبناء والإِخوان والأزواج والعشيرة، والأموال، والتجارة، والمساكن - { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ }.

السابقالتالي
2 3