الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما رواه مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر النبى - صلى الله عليه وسلم - فى نفر من أصحابه فقال رجل ما أبالى أن لا أعمل عملا بعد الإِسلام إلا أن أسقى الحاج. وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل الجهاد فى سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبى - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله. تعالى { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ.... } الآية. وأخرج ابن جرير عن عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول فى قوله { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ.. } أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك. فقال العباس أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام. ونفك العانى، ونحجب البيت، ونسقى الحاج فأنزل الله. تعالى. { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ.. }. وقال صاحب المنار، بعد أن ساق عدداً من الروايات فى سبب نزول هذه الآيات. والمعتمد فى هذه الروايات حديث النعمان لصحة سنده، وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات من كون موضوعها فى المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجابه. من أعمال البر الهينة المستلذة. وبين الإِيمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة وهى أشق العبادات البدنية والمالية. والسقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر. بتخفيف الميم. والمراد بسقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ فى الماء، وكان العباس. رضى الله عنه. هو الذى يتولى إدارة هذا العمل. قال الجمل السقاية هى المحل الذى يتخذ فيه الشراب فى الموسم. كان يشترى الزبيب فينبذ فى ماء زمزم ويسقى للناس، وكان يليها العباس جاهلية وإسلاماً، وأقرها النبى - صلى الله عليه وسلم - له.. ويظهر أن المراد بها هنا المصدر. أى إسقاء الحجاج وإعطاء الماء لهم. والمراد بعمارة المسجد الحرام ما يشمل العبادة فيه، وإصلاح بنائه، وخدمته، وتنظيفه... كما سبق أن بينا. والهمزة فى قوله. { أَجَعَلْتُمْ } للاستفهام الإِنكارى المتضمن معنى النهى. والكلام على حذف مضاف، لأن العمارة والسقاية مصدران ولا يتصور تشبيههما بالأعيان، فلا بد من تقدير مضاف فى أحد الجانبين حتى يتأتى التشبيه والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد فى سبيل الله؟ ويؤيده قراءة { أَجَعَلْتُمْ سُقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } بضم السين. جمع ساق. { وعمرة المسجد الحرام } بفتح العين والميم جمع عامر. وعلى هذا المعنى يكون التقدير فى جانب الصفة، ويجوز أن يكون التقدير فى جانب الذات فيكون المعنى.

السابقالتالي
2 3