الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

وجمهور المفسرين على أن الخطاب فى قوله - سبحانه - { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } للعرب فهو كقولههُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } أى لقد جاءكم - يا معشر العرب - رسول كريم " من أنفسكم " أى جنسكم، ومن نسبكم، فهو عربى مثلكم، فمن الواجب عليكم أن تؤمنوا به وتطيعوه. فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ترغيب العرب فى الإِيمان بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وفى طاعته وتأييده، فإن شرفهم قد تم بشرفه، وعزهم بعزه، وفخرهم بفخره، وهم فى الوقت نفسه قد شهدوا له فى صباه بالصدق والأمانة والعفاف وطهارة النسب، والأخلاق الحميدة. قال القرطبى قوله { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } يقتضى مدحا لنسب النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنه من صميم العرب وخالصها، وفى صحيح مسلم " عن وائلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قرش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم " وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إنى من نكاح ولست من سفاح ". وقال الزجاج إن الخطاب فى الآية الكريمة لجميع البشر، لعموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - ومعنى كونه - صلى الله عليه وسلم - " من أنفسكم " إنه من جنس البشر. ويبدو لنا أن الرأى الأول ارجح لأن الآية الكريمة ليست مسوقة لإِثبات رسالته - صلى الله عليه وسلم - وعمومها، وإنما هى مسوقة لبيان منته وفضله - سبحانه - على العرب، حيث أرسل خاتم أنبيائه منهم، فمن الواجب عليهم أن يؤمنوا به، لأنه ليس غريبا عنهم، وإذا لم يؤمنوا به تكون الحجة عليهم ألزم، والعقوبة لهم أعظم. وقوله { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } أى شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم، لكونه بعضا منكم فهو يخاف عليكم سوء العاقبة، والوقوع فى العذاب. يقال عزَّ عليه الأمر أى صعب وشق عليه، والعنت المشقة والتعب ومنه قولهم أكمة عنوت، إذا كانت شاقة مهلكة، والفعل عنت بوزن فرح. وقوله { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } أى حريص على إيمانهم وهدايتكم وعزتكم وسعادتكم فى الدنيا والآخرة. والحرص على الشئ معناه شدة الرغبة فى الحصول عليه وحفظه. وقوله { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أى شديد الرأفة والرحمة بكم - أيها المؤمنون - والرأفة عبارة عن السعى فى إزالة الضرر. والرحمة عبارة عن السعى فى إيصال النفع، فهو - صلى الله عليه وسلم - يسعى بشدة فى إيصال الخير والنفع للمؤمنين، وفى إزالة كل مكروه عنهم. قال بعضهم لم يجمع الله - تعالى - لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبى - صلى الله عليه وسلم - فإنه قال { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } وقال عن ذاته - سبحانه -

السابقالتالي
2