الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

قال الجمل وسبب نزول هذه الآية أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما بالغ فى الكشف عن عيوب المنافقين، وفضحهم فى تخلفهم عن غزوة تبوك. قال المسلمون والله لا نتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن سرية بعثها، فلما قدم - صلى الله عليه وسلم - المدينة من تبوك، وبعث السرايا، أراد المسلمون أن ينفروا جميعا للغزو وأن يتركوا النبى - صلى الله عليه وسلم - وحده فنزلت هذه الآية. والمعنى، وما كان من شأن المؤمنين، أن ينفروا جميعا فى كل سرية تخرج للجهاد، ويتركوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده بالمدينة، وإنما يجب عليهم النفير العام إذا ما دعاهم - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك. وقوله { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ... } معطوف على كلام محذوف، ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا. أى فحين لم يكن هناك موجب لنفير الكافة، فهلا نفر من كل فرقة من المؤمنين طائفة للجهاد، وتبقى طائفة أخرى منهم { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ } أى ليتعلموا أحكامه من رسولهم - صلى الله عليه وسلم - { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } أى وليعلموهم ويخبروهم بما أمروا به أو نهوا عنه { إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } من الغزو { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } أى لعل هؤلاء الراجعين إليهم من الغزو يحذرون ما نهوا عنه. أى أن على المسلمين فى حالة عدم النفير العام، أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين. قسم يبقى مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليتفقه فى دينه، وقسم آخر يخرج للجهاد فى سبيل الله، فإذا ما عاد المجاهدون، فعلى الباقين مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغوا العائدين ما حفظوه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أحكام. وبذلك يجمع المسلمون بين المصلحتين مصلحة الدفاع عن الدين بالحجة والبرهان، ومصلحة الدفاع عنه بالسيف والسنان. وعلى هذا التفسير الذى سار عليه جمهور العلماء يكون الضمير فى قوله { لِّيَتَفَقَّهُواْ...وَلِيُنذِرُواْ } يعود إلى الطائفة الباقية مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -. أما الضمير فى قوله { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } فيعود على الطائفة التى خرجت للجهاد ثم عادت. ومنهم من يرى أن الضمير فى قوله { لِّيَتَفَقَّهُواْ...وَلِيُنذِرُواْ } يعود على الطائفة التى خرجت للجهاد. وقد رجح هذا الاتجاه الإِمام ابن جرير فقال وأما قوله { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } فإن أولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال لتتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله لأهل دينه ولأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به، فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإِسلام، وظهوره على الأديان، من لم يكن فقهه، { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله، مثل الذى نزل بمن شاهدوا، ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك، إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } أى لعل قومهم إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله، حذرا من أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبروا خبرهم.

السابقالتالي
2