الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما استقصى فى شرح أحوال غزوة تبوك، وبين أحوال المتخلفين عنها، وأطال القول فى ذلك على الترتيب الذى لخصناه فيما سبق، عاد فى هذه الآية إلى شرح ما بقى من أحكامها، ومن بقية تلك الأحكام أنه قد صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجرى مجرى ترك الأولى، وصدر عن المؤمنين كذلك نوع زلة، فذكر - سبحانه - أنه تفضل عليهم، وتاب عليهم، فى تلك الزلات، فقال - تعالى - { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ }. وللعلماء أقوال فى المراد بالتوبة التى تابها الله على النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلى المهاجرين والأنصار فمنهم من يرى أن المراد بها قبول توبتهم، وغفران ذنوبهم، والتجاوز عن زلاتهم التى حدثت منهم فى تلك الغزوة أو فى غيرها، وإلى هذا المعنى أشارة القرطبى بقوله قال ابن عباس كانت التوبة على النبى - صلى الله عليه وسلم - لأجل أنه أذن للمنافقين فى القعود، بدليل قوله - سبحانه - قبل ذلكعَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ... } وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه - أى إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك. ومنهم من يرى أن المقصود بذكر التوبة هنا التنويه بفضلها، والحض على تجديدها، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقال { تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } كقولهلِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وكقولهوَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار، حتى النبى والمهاجرين والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأوابين صفة الأنبياء كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح.. ومنهم من يرى أن المراد بالتوبة هنا دوامها لا أصلها، وإلى هذا المعنى أشار بعضهم بقوله لقد تاب الله على النبى.. " أى أدام توبته على النبى والمهاجرين والأنصار. وهذا جواب عما يقال من أن النبى معصوم من الذنب، وأن المهاجرين والأنصار لم يفعلوا ذنبا فى هذه القضية، بل اتبعوه من غير تلعثم، قلنا المراد بالتوبة فى حق الجميع دوامها لا أصلها.. ". ومنهم من يرى أن ذكر النبى هنا إنما هو من باب التشريف، والمراد قبول توبة المهاجرين والأنصار فيما صدر عن بعضهم من زلات. وقد وضح هذا المعنى الإِمام الآلوسى فقال قال أصحاب المعانى المراد ذكر التوبة على المهاجرين والأنصار، إلا أنه جئ فى ذلك بالنبى - صلى الله عليه وسلم - تشريفا لهم، وتعظيما لقدرهم، وهذا كما قالوا فى ذكره - تعالى - فى قوله

السابقالتالي
2 3