الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } * { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } * { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } * { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } * { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } * { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } * { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } * { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } * { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } * { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } * { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } * { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } * { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } * { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } * { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } * { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } * { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } * { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } * { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } * { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } * { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } * { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } * { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }

الاستفهام فى قوله - تعالى - { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } للتحقيق والتقرير، أو المقصود به التعجيب من حديث القيامة، والتشويق إلى الاستماع إليه. والغاشية لفظ مشتق من الغشيان، وهو تغطية الشئ لغيره، يقال غشيه الأمر، إذا غطاه، والمقصود بالغاشية يوم القيامة، ووصف يوم القيامة بذلك، لأنه يغشى الناس بأهواله وشدائده، ويغطى عقولهم عن التفكير فى أى شئ سواه. والمعنى هل بلغك - أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب - حديث يوم القيامة، الذى يغشى الناس بأحواله المفزعة، ويعمهم بشدائده.. إن كان لم يأتك فهذا خبره، وتلك هى أقسام الناس فيه. وافتتاح السورة بهذا الافتتاح - بجانب ما فيه من تشويق - يدل على أهمية هذا الخبر، وأنه من الأخبار التى ينبغى الاستعداد لما اشتملت عليه من معانى لا يصح التغافل عنها. ثم فصل - سبحانه - أحوال الناس فى هذا اليوم فقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ }. قال الشوكانى الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ما هو؟ أو مستأنفة استئنافًا نحويا، لبيان ما تضمنته من كون ثَمَّ وجوه فى ذلك اليوم متصفة بهذه الصفة المذكورة، و " وجوه " مرتفع على الابتداء - وإن كانت نكرة - لوقوعه فى مقام التفصيل.. والتنوين فى " يومئذ " عوض عن المضاف إليه. أى يوم غشيان الغاشية. والخاشعة الذليلة الخاضعة، وكل متضائل ساكن يقال له خاشع.. والمراد بالوجوه أصحابها، من باب التعبير عن الكل بالبعض، وخصت الوجوه بالذكر، لأنها أشرف أعضاء الإِنسان، ولأنها هى التى تظهر عليها الآثار المختلفة من حزن أو فرح. أى وجوه فى يوم قيام الساعة، تكون خاشعة ذليلة، تبدو عليها آثار الهوان والانتكاس والخزى، كما قال - تعالى -وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ... } وهذه الوجوه - أيضا - من صفاتها أنها { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } أى مكلفة بالعمل الشاق المرهق الذى تَنْصَبُ له الوجوه فى هذا اليوم، وتتعب تعبا ما عليه من مزيد، كجر السلاسل، وحمل الأغلال، والخوض فى النار. فقوله { عاملة } اسم فاعل من العمل، والمراد به هنا العمل الشاق المهين. وقوله { ناصبة } من النَّصب، بمعنى التعب والإِعياء يقال نَصِب فلان بكسر الصاد - كفرح - ينصب نصبا، إذا تعب فى عمله تعبا شديدا. وفى هذه الصفات زيادة توبيخ لأهل النار، لأنهم لما تركوا فى الدنيا الخشوع لله - تعالى - والعمل الصالح، وآثروا متع الدنيا على ثواب الآخرة.. كان جزاؤهم يوم القيامة، الإِذلال، والعمل الشاق المهين الذى لا تعقبه راحة. ثم أخبر - سبحانه - عن هذه الوجوه الشقية بأخبار أخرى فقال { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } أى أن هذه الوجوه تشوى بالنار الحامية يوم القيامة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6