الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } * { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } * { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } * { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } * { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } * { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } * { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } * { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } * { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } * { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } * { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ }

افتتحت السورة الكريمة، بأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالمداومة على تنزيه الله - تعالى - عن كل نقص، ويدخل فى هذا الأمر، كل من يصلح للخطاب. والاسم المراد به الجنس، فيشمل جميع أسمائه - تعالى -. أى نزه - أيها الرسول الكريم - أسماء ربك الأعلى عن كل ما لا يليق بها، فلا تطلقها على غيره - تعالى - إذا كان خاصة به، كلفظ الجلالة، وكلفظ الرحمن، ولا تذكرها فى موضع لا يتناسب مع جلالها وعظمتها، ولا تحرفها عن المعانى التى وضعت لها كما يفعل الزائغون. فقد قال - تعالى -وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ونزه ربك الأعلى، عن الشريك، وعن الوالد، وعن الولد، وعن الشبيه.. وعن كل ما لا يليق به. قال الجمل أى نزه ربك عن كل ما لا يليق به، فى ذاته، وصفاته، وأسمائه، وأفعاله، وأحكامه. أما فى ذاته فأن تعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض. وأما فى صفاته فأن تعتقد أنها لسيت محدثة ولا متناهية ولا ناقصة. وأما فى أفعاله فأن تعتقد أنه - سبحانه - مطلق لا اعتراض لأحد عليه فى أمر من الأمور. وأما فى أسمائه فأن لا تذكره - سبحانه - إلا بالأسماء التى لا توهم نقصا بوجه من الوجوه.. وأما فى أحكامه فأن تعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود عليه، بل لمحض المالكية.. أخرج الإِمام أحمد " عن عامر بن عقبة الجهنى قال لما نزلت { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجعلوها فى ركوعكم " فلما نزلت { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال " اجعلوها فى سجودكم ". ثم وصف - سبحانه - ذاته بعد وصفه بالأعلى بصفات كريمة أخرى فقال { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ }. والخلق هو الإِيجاد للشىء على غير مثال سابق، والتسوية هى جعل المخلوقات على الحالة والهيئة التى تناسبها، وتتلاءم مع طبيعتها. أى الذى خلق الخلائق كلها، وجعلها متساوية فى الأحكام والإِتقان حسبما اقتضته حكمته. ومنح كل مخلوق ما يناسب طبيعته ووظيفته. قال صاحب الكشاف قوله { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } أى خلق كل شئ فسوى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم.. { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } والتقدير وضع الأشياء فى مواضعها الصحيحة، بمقدار معين، وبكيفية معينة.. تقتضيها الحكمة، ويقرها العقل السليم. وقوله { فَهَدَىٰ } من الهداية. بمعنى الإِرشاد والدلالة على طريق الخير والبر. أى وهو - سبحانه - الذى جعل الأشياء على مقادير مخصوصة فى أجناسها، وفى أنواعها، وفى أفرادها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6