الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } * { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } * { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } * { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } * { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات، أن بعض المشركين - كأبى جهل والعاص بن وائل - كانوا يستهزئون من فقراء المسلمين كصهيب وعمار بن ياسر. وقوله - سبحانه - { أَجْرَمُواْ } من الإِجرام، وهو ارتكاب الجرم. ويطلق على الإِثم العظيم. والذنب الكبير، والمراد بإجرامهم هنا كفرهم بالله - تعالى - واستهزاؤهم بالمؤمنين. أى إن الذين ارتكبوا فى دنياهم أقبح الجرائم وأشنعها، وهم زعماء المشركين { كَانُواْ } فى الدنيا { مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } أى كانوا فى حياتهم يتهكمون بالمؤمنين، ويسخرون منهم، ويعتبرونهم الأراذل الذين يجب الابتعاد عنهم. { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } أى وإذا مر هؤلاء المجرمون بالمؤمنين سخروا منهم، وتغامزوا فيما بينهم على سبيل الاستهزاء بفقراء المؤمنين. والتغامز تفاعل من الغمز وهو الإِشارة بالجفون والحواجب على سبيل الطعن والتهكم. أى يغمز أحدهم الآخر لينبه إلى ما عليه فقراء المسلمين من شظف العيش، ومن غير ذلك من الأحوال التى لا يرضاها المشركون لجهلهم وغرورهم وبلادة حسهم. { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } أى وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهلهم من مجالسهم التى كانوا فيها.. رجعوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين. والسخرية منهم. فهم لإِيغالهم فى الكفر والفسوق والعصيان، لا يكتفون بالغمز واللمز عندما يرون المؤمنين، بل يجعلونهم عند عودتهم إلى أهليهم، مادة تفكههم وضحكهم. فقوله { فَكِهِينَ } جمع فكه، صفة مشبهة، وهى قراءة حفص عن عاصم. وقرأ الجمهور " فاكهين " اسم فاعل من فكه - بزنة - فرح - إذا مزح فى كلامه ليضحك أو يضحك غيره. وحذف متعلق " فكهين " للعلم به. أى رجعوا فكهين بسبب حديثهم عن المؤمنين. وقوله { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } أى أن هؤلاء الذين أجرموا، لا يكتفون بغمز المؤمنين ولمزهم وجعلهم مادة السخرية فى أحاديثهم مع أهليهم. بل إنهم تجاوزوا ذلك، فهم عندما يرون المؤمنين يقولون عنهم هؤلاء هم الضالون، لأنهم تركوا دين آبائهم وأجدادهم، ودخلوا فى دين آخر. فمرادهم بالضلال فساد الرأى. وعدم البقاء على دينهم القديم. وهكذا الأشرار يرون أن أهل الحق والتقى فى ضلال. وجملة { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } جملة حالية من الضمير فى { قالوا }. أى قالوا إن هؤلاء المؤمنين الضالون، والحال أن هؤلاء المشركين ما أرسلهم الله - تعالى - ليكونوا وكلاء عنه، حتى يحكموا على هذا الفريق بالضلال. وعلى غيره بالرشاد. فالمقصود بالآية الكريمة تأنيب الذين أجرموا وتوبيخهم على تصرفاتهم، لأن الحكم على الغير بالهداية والضلال. هم ليسوا أهلا له إطلاقا لأن الله - تعالى - لم يكلفهم بذلك، وإنما كلفهم بإتباع الرسول الذى أرسله - سبحانه - لهدايتهم. فحكمهم على المؤمنين بالضلال يدل على نهاية الغرور والجهل.

السابقالتالي
2