الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }

قوله { كلا } هنا، تكرير للردع والزجر السابق فى قوله - تعالى - قبل ذلكإِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار فى عليين. ولفظ " عليين " جمع عِلِّى - بكسر العين وتشديد اللام المكسورة - من العلو. ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد، وأنه اسم للديوان الذى تكتب فيه أعمال الأبرار. قال صاحب الكشاف وكتاب الأبرار ما كتب من أعمالهم، وعليون علم لديوان الخير، الذى دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين. منقول من جمع " عِلِّى " بزنة فِعِّيل - بكسر الفاء والعين المشددة - من العلو، كسِجِّين من السجن. سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالى الدرجات فى الجنة، وإما لأنه مرفوع فى السماء السابعة.. تكريما له وتعظيما.. أى حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار، لمثبت فى ديوان الخير، الكائن فى أعلى مكان وأشرفه. وقوله - سبحانه - { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } تفخيم لشأن هذا الديوان، وتنويه عظيم بشرفه. وقوله { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } تفسير لما كتب لهؤلاء الأبرار من خير وبركة، أى كتاب الأبرار كتاب واضح بين، يقرؤه أصحابه بسهولة ويسر، فتنشرح صدورهم، وتقر عيونهم. وقوله - تعالى - { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } صفة أخرى جىء بها على سبيل المدح لهذا المكتوب من الأعمال الصالحة لهؤلاء الأخيار. أى كتاب الأبرار، وصحائف أعمالهم، فى أسمى مكان وأعلاه، وهو كتاب واضح بين، يقرءونه فيظهر البشر والسرور على وجوههم، وهو فرق ذلك { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أى يطلع عليه الملائكة المقربون من الله - تعالى-، ليكون هذا الاطلاع شهادة لهؤلاء الأبرار، بأنهم محل رضا الله - تعالى - وتكريمه وثوابه. ثم بين - سبحانه - حالهم فى الجنة، بعد بيان ما اشتمل عليه كتابهم من خير وبر فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } أى لفى نعيم دائم، لا يحول ولا يزول. { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } والأرائك جمع أريكة - بزنة سفينة - وهى اسم للسرير الذى يكون مفروشا فرشا أنيقا جميلا. أى هم فى نعيم دائم لا يقادر قدره، وهم - أيضاً - يجلسون على السرر المهيأة لجلوسهم تهيئة حسنة، ينظرون إلى كل ما يدخل البهجة والسرور على نفوسهم. وحذف مفعول " ينظرون " لقصد التعميم. أى ينظرون إلى كل ما يبهج نفوسهم. { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أى تعرف فى وجوههم - أيها الناظر إليهم - البهجة والحسن، وصلاح البال، وهناءة العيش. وإضافة النضرة - وهى الجمال الواضح - إلى النعيم - الذى هو بمعنى التنعم والترفه - من إضافة المسبب إلى السبب.

السابقالتالي
2