الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } * { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } * { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

والفاء فى قوله - تعالى - { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ... } للتفريع على ما تقدم من تحقيق وقوع البعث، وهى تعطى - أيضاً - معنى الإِفصاح، و " لا " مزيدة لتأكيد القسم، وجواب القسم قوله - تعالى - { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }. و { الخنس } - بزنة رُكَّع - جمع خانس، والخنوس الاستخفاء والاستتار، يقال خنست الظبية والبقرة، إذا اختفت فى بيتها. و { الجوار } جمع جارية، وهى التى تجرى بسرعة، من الجرى بمعنى الإِسراع فى السير. و { الكنس } جمع كانس. يقال كنس الظبى، إذا دخل كناسه - بكسر الكاف - وهو البيت الذى يتخذه للمبيت، وسمى بذلك لأنه يتخذه من أغصان الأشجار، ويكنس الرمل إليه حتى يكون مختفيا عن الأعين. وهذه الصفات، المراد بها النجوم، لأنها بالنهار تكون مختفية عن الأنظار، ولا تظهر إلا بالليل، فشبهت بالظباء التى تختفى فى بيوتها ولا تظهر إلا فى أوقات معينة. أى إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن البعث حق.. فأقسم بالنجوم التى تخنس بالنهار، أى يغيب ضؤوها عن العيون بالنهار، ويظهر بالليل، والتى تجرى من مكان إلى آخر بقدرة الله - تعالى - ثم تكنس - أى تستتر وقت غروبها - كما تتوارى الظباء فى كُنُسِها.. إن هذا القرآن لقول رسول كريم. قال ابن كثير ما ملخصه قوله - تعالى - { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ. ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } هى النجوم تخنس بالنهار، وتظهر بالليل، روى ذلك عن على بن أبى طالب وابن عباس ومجاهد. وقال بعض الأئمة وإنما قيل للنجوم " الخنس " أى فى حال طلوعها، ثم هى جوار فى فلكها، وفى حال غيبوبتها، يقال لها " كنس " ، من قول العرب. أوى الظبى إلى كناسه إذا تغيب فيه. وفى رواية عن ابن عباس أنها الظباء، وفى أخرى أنها بقر الوحش حين تكنس إلى الظل أو إلى بيوتها. وتوقف ابن جرير فى قوله { بِٱلْخُنَّسِ. ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } هل هى النجوم أو الظباء وبقر الوحش قال ويحتمل أن يكون الجميع مرادا.. وقوله { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ. وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } معطوف على ما قبله. وداخل فى حيز القسم. وقوله { عسعس } أدبر ظلامه أو أقبل، فهذا اللفظ من الألفاظ التى تستعمل فى الشئ وضده، إلا أن المناسب هنا يكون المراد به إقبال الظلام، لمقابلته بالصبح إذا تنفس، أى أضاء وأسفر وتبلج. وقيل العسعسة رقة الظلام وذلك فى طرفى النهار، فهو من المشترك المعنوى، وليس من الأضداد، أى أقبل وأدبر معاً. أى وحق النجوم التى تغيب بالنهار، وتجرى فى حال استتارها.. وحق الليل إذا أقبل بظلامه، والصبح إذا أقبل بضيائه. { إِنَّهُ } أى القرآن الكريم { لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهو جبريل - عليه السلام - الذى أرسله ربه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لكى يبلغه وحيه - تعالى -.

السابقالتالي
2 3 4