الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما بدأ بذكر القصة المشتملة على ترفع صناديد قريش على فقراء المسلمين، عجب عباده المؤمنين من ذلك، فكأنه قيل وأى سبب فى هذا العجب والترفع؟ مع أن أوله نطفة قذرة، وآخره جيفة مذرة، وفيما بين الوقتين حمال عذرة. فلا عجب أن ذكر الله - تعالى - ما يصلح أن يكون علاجا لعجبهم وما يصلح أن يكون علاجا لكفرهم، فإن خلقة الإِنسان يستدل بها على وجود الصانع، وعلى القول بالبعث والحشر والنشر.. والمراد بالإِنسان هنا الإِنسان الكافر الجاحد لنعم ربه. ومعنى " قتل " لعن وطرد من رحمة الله - تعالى -، ويصح أن يكون المراد به الجنس، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا. أى لعن وطرد من رحمة الله - تعالى - ذلك الإِنسان الذى ما أشد كفره وجحوده لنعم الله - تعالى -. والدعاء عليه باللعن من الله - تعالى -، المقصود به التهديد والتحقير من شأن هذا الإِنسان الجاحد، إذ من المعلوم أن الله - سبحانه - هو الذى يتوجه إليه الناس بالدعاء، وليس هو - سبحانه - الذى يدعو على غيره، إذ الدعاء فى العادة إنما يكون من العاجز، وجل شأن الله - تعالى - عن العجز. وجملة " ما أكفره " تعليل لاستحقاق هذا الإِنسان الجاحد التحقير والتهديد. وهذه الآية الكريمة المتأمل فيها يراها - مع بلوغها نهاية الإِيجاز - قد بلغت - أيضا - نهاية الإِعجاز فى أسلوبها، حيث جمعت أشد ألوان الذم والتحقير بأبلغ أسلوب وأوجزه. ولذ قال صاحب الكشاف { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ } دعاء عليه، وهى من أشنع دعواتهم، لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها { مَآ أَكْفَرَهُ } تعجيب من إفراطه فى كفران نعمة الله، ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أخشن متنا، ولا أدل على سخط، ولا أبعد فى المذمة، مع تقارب طرفيه، ولا أجمع لِلاَئمةٍ، على قصر متنه.. ثم فصل - سبحانه - جانبا من نعمه، التى تستحق من هذا الإِنسان الشكر لا الكفر فقال { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } أى من أى شئ خلق الله - تعالى - هذ الإِنسان الكافر الجحود، حتى يتكبر ويتعظم عن طاعته، وعن الإِقرار بتوحيده، وعن الاعتراف بأن هناك بعثا وحسابا وجزاء..؟. ثم وضح - سبحانه - كيفية خلق الإِنسان فقال { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } أى خلق الله - تعالى - الإِنسان من نطفة، أى من ماء قليل يخرج من الرجل إلى رحم المرأة - { فَقَدَّرَهُ } أى فأوجد الله - تعالى - الإِنسان بعد ذلك إيجادا متقنا محكما، حيث صير بقدرته النطفة علقة فمضغة.

السابقالتالي
2 3 4