الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } * { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ }

قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات ملخصها " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان جالسا فى أحد الأيام، مع جماعة من زعماء قريش يدعوهم إلى الإِسلام، ويشرح لهم تعاليمه، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم - وكان كفيف البصر - فقال أقرئنى وعلمنى مما علمك الله، يا رسول الله، وكرر ذلك، وهو لا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بدعوة هؤلاء الزعماء إلى الإِسلام، رجاء أن يسلم بسبب إسلامهم خلق كثير.. فلما أكثر عبد الله من طلبه، أعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات التى عاتب الله - تعالى - فيها نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا الإِعراض.. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه، إذا رآه، ويقول له " مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى " ويبسط له رداءه.. " قال الآلوسى وعبد الله بن أم مكتوم، هو ابن خال السيدة خديجة، واسمه عمرو بن قيس. وأم مكتوم كنية أمه، واسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية، واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة أكثر من مرة.. وهو من المهاجرين الأولين. قيل مات بالقادسية شهيدا يوم فتح المدائن أيام عمر بن الخطاب - رضى الله عنه.. ولفظ " عبس " - من باب ضرب - مأخوذ من العبوس، وهو تقطيب الوجه، وتغير هيئته مما يدل على الغضب. وقوله { وَتَوَلَّىٰ } مأخوذ من التولى وأصله تحول الإِنسان عن مكانه الذى هو فيه إلى مكان آخر، والمراد به هنا الإِعراض عن السائل وعدم الإِقبال عليه. وحذف متعلق التولى، لمعرفة ذلك من سياق الآيات، إذ من المعروف أن إعراضه صلى الله عليه وسلم كان عن عبد الله ابن أم مكتوم الذى قاطعه خلال حديثه مع بعض زعماء قريش. وأل فى قوله - تعالى - { ٱلأَعْمَىٰ } للعهد. والمقصود بهذا الوصف التعريف وليس التنقيص من قدر عبد الله بن أم مكتوم - رضى الله عنه - وكذلك فى هذا الوصف إيماء إلى أن له عذرا فى مقاطعة الرسول صلى الله عليه وسلم عند حديثه مع زعماء قريش، فهو لم يكن يراه وهو يحادثهم ويدعوهم إلى الإِسلام. وجاء الحديث عن هذه القصة بصيغة الحكاية، وبضمير الغيبة، للإِشعار بأن هذه القصة، من الأمور التى لا يحب الله - تعالى - أن يواجه بها نبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التكريم له، والعطف عليه، والرحمة به. وجملة { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } فى موضع الحال، وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب، و " ما " استفهامية مبتدأ، وجملة " يدريك " خبره.

السابقالتالي
2 3 4