الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

هذه الآيات الكريمة التى ختم الله - تعالى - بها سورة الأنفال، وضحت أن المؤمنين فى العهد النبوى أقسام، وذكرت حكم كل قسم منهم. أما القسم الأول فهم المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى. وأما القسم الثانى فهم الأنصار من أهل المدينة. والقسم الثالث المؤمنون الذين لم يهاجروا. والقسم الرابع المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية. وقد عبر - سبحانه - عن القسمين الأول والثانى بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ... }. أى { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله - تعالى - حق الإِيمان { وَهَاجَرُواْ } أى تركوا ديارهم وأوطانهم وكل نفيس من زينة الحياة الدنيا. من أجل الفرار بدينهم من فتنة المشركين، ومن أجل نشر دين الله فى الأرض { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى أنهم مع إيمانهم الصادق، وسبقهم بالهجرة إرضاء لله - تعالى -، قد بالغوا فى إتعاب أنفسهم من أجل نصرة الحق، فقدموا ما يملكون من أموال، وقدموا نفوسهم رخيصة لا فى سبيل عرض من أعراض الدنيا، وإنما فى سبيل مرضاة الله ونصرة دينه. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذا القسم الأول المؤمنين وهم الذين سبقوا إلى الهجرة. بأعظم الصفات وأكرمها. فقد وصفهم بالإِيمان الصادق، وبالمهاجرة فرارا بدينهم من الفتن، وبالمجاهدة بالمال والنفس فى سبيل إعلاء كلمة الله. وقد جاءت هذه الأوصاف الجليلة مرتبة حسب الوقوع، فإن أول ما حصل منهم هو الإِيمان، ثم جاءت من بعده الهجرة، ثم الجهاد. ولعل تقديم المجاهدة بالأموال هنا على المجاهدة بالأنفس، لأن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعا، وأتم دفعا للحاجة، حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالأموال. وقوله { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } متعلق بقوله { وَجَاهَدُواْ } لإِبراز أن جهادهم لم يكن لأى غرض دنيوى، وإنما كان من أجل نصرة الحق وإعلاء كلمته - سبحانه -. وقوله { وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } بيان للقسم الثانى من أقسام المؤمنين فى العهد النبوى، وهم الأنصار من أهل المدينة الذين فتحوا للمهاجرين قلوبهم، واستقبلوهم أحسن استقبال، حيث أسكنوهم منازلهم، وبذلوا لهم أموالهم، وآثروهم على أنفسهم، ونصروهم على أعدائهم. فالآية الكريمة قد وصفت الأنصار بوصفين كريمين. أولهما الإِيواء الذى يتضمن معنى التأمين من الخوف، إذا المأوى هو المجأ والمأمن مما يخشى منه، ومن ذلك قوله - تعالى -إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ... } وقوله - تعالى -وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ... } ولقد كانت المدينة مأوى وملجأ للمهاجرين، وكان أهلها مثالا للكرم والإِيثار.. ثانيهما النصرة، لأن أهل المدينة قد نصروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين بكل ما يملكون من وسائل التأييد والمؤازرة، فقد قاتلوا من قاتلهم، وعادوا من عاداهم، ولذا جعل الله - تعالى - حكمهم وحكم المهاجرين واحدا فقال { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }.

السابقالتالي
2 3 4 5