الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قال ابن كثير " عن الزهرى عن جماعة سماهم قالوا بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا. وقال العباس يا رسول الله! قد كنت مسلماً! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول، فإن الله يجزيك. وأما ظاهرك فقد كان علينا، فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبى طالب، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر ". قال العباس ما ذاك عندى يا رسول الله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فأين المال الذى دفنته أنت وأم الفضل، فقلت لها إن أصبت فى سفرى هذا فهذا المال الذى دفنته لبنىّ الفضل، وعبد الله، وقثم "؟ قال والله يا رسول الله إنى لأعلم أنك رسول الله. إن هذا الشئ ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل، فاحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى - عشرين أوقية من مال كان معى -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " لا، ذاك شئ أعطانا الله منك ". ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه. فأنزل الله - تعالى - فيه { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ... } الآية. قال العباس فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية فى الإسلام، عشرين عبداً كلهم فى يده مال يضرب به. مع ما أرجو من مغفرة الله - تعالى - ". وفى صحيح البخارى " عن أنس أن رجالاً من الأنصار قالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه. فقال - صلى الله عليه وسلم - " لا والله! لا تذرون منه درهما " هذا والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت فى العباس إلا أنها عامة فى جميع الأسرى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن الخطاب فيها موجه إلى سائر الأسرى لا إلى فرد منهم دون آخر. والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ } أى قل للذين تحت تصرف أيدكم { مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } أى من أسرى المشركين فى بدر الذين أخذتم منهم الفداء لتطلقوا سراحهم. قل لهم - أيها النبى الكريم - { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أى إيماناً وتصديقاً وعزماً على اتباع الحق ونبذ الكفر والعناد.. إن يعلم الله - تعالى - منكم ذلك { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } من فداء، بأن يخلفه عليكم فى الدنيا، ويمنحكم الثواب الجزيل فى الآخرة. ولقد صدق الله - تعالى - وعده مع من آمن وعمل صالحاً من هؤلاء الأسرى، فأعطاهم الكثير من نعمه كما قال العباس - رضى الله عنه - وقوله { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } زيادة فى حضهم على الدخول فى الإِيمان.

السابقالتالي
2 3