الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها، ما أخرجه مسلم فى صحيح عن ابن عباس قال حدثنى عمر بن الخطاب " أنه لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لى ما وعدتنى. فقتل المسلمون من المشركين يومئذ سبعين وأسروا سبعين. قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبى بكر وعمر ما ترون فى هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى أن يهديهم الله إلى الإِسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال قلت لا والله يا رسول الله، ما أرى الذى رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، وتمكننى من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه، - حتى يعلم الله أن ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده. فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان، فقلت يا رسول الله. أخبرنى من أى شئ تبكى أنت وصاحبك. فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ... } " إلخ الآيات. وروى الإِمام والترمذى عن عبد الله بن مسعود قال " لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما تقولون فى هؤلاء الأسارى "؟ فقال أبو بكر يا رسول الله! قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر يا رسول الله! كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله، أنت بواد كثير الحطب فأضرم الوادى عليهم ناراً ثم ألقهم فيه. قال فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد شيئاً. ثم قال فدخل فقال ناس يأخذ بقول أبى بكر. وقال ناس يأخذ بقول عمر. وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله فقال " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وكمثل عيسى إذ قال { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }. وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } ، وكمثل موسى إذ قال { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }. ثم قال - صلى الله عليه وسلم - " أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق ". قال ابن مسعود فقلت يا رسول، إلا سهيل بن بيضاء، فإنه يذكر الإِسلام، فسكت رسول الله ثم قال " إلا سهيل بن بيضاء ". وأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ... } "

السابقالتالي
2 3 4 5 6