الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء، وعده بالنصر والظفر فى هذه الآية مطلقاً على جميع التقديرات، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار لأن المعنى فى الآية الأولى إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم. والمعنى فى هذه الآية عام فى كل ما يحتاج إليه فى الدين والدنيا. وهذه الآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال.. وقوله { حَسْبُكَ } صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل، والكاف فى محل جر. والواو فى قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } بمعنى مع، و { مَنِ } فى محل نصب عطفاً على الموضع، فإن قوله { حَسْبُكَ } بمعنى كافيك فى جميع أمورك. والمعنى يأيها النبى كافيك الله وكافى متبعيك من المؤمنين فهو - سبحانه - ناصركم ومؤيدكم على أعدائكم وإن كثر عددهم وقل عددكم، وما دام الأمر كذلك، فاعتمدوا عليه وحده، وأطيعوه فى السر والعلن لكى يديم عليكم عونه وتأييده ونصره. قال بعض العلماء قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية أى الله وحده كافيك وكافى أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد. ثم قال وههنا تقديران أحدهما أن تكون الواو عاطفة للفظ " من " على الكاف المجرورة.. والثانى أن تكون الواو بمعنى " مع " وتكون " من " فى محل نصب عطفاً على الموضع. فإن " حسبك " فى معنى كافيك أى الله يكفيك ويكفى من اتبعك، كما يقول العرب حسبك وزيدا درهم، قال الشاعر
وإذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند   
وهذا أصح التقديرين. وفيها تقدير ثالث أن تكون " من " فى موضع رفع بالابتداء أى ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله. وفيها تقدير رابع وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن يكون " من " فى موضع رفع عطفا على اسم الله. ويكون المعنى حسبك الله وأتباعك. هذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة.. ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتحريض المؤمنين على القتال من أجل إعلاء كلمة الحق، فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ... }. وقوله { حَرِّضِ } من التحريض بمعنى الحث على الشئ بكثرة التزيين له، وتسهيل الأمر فيه حتى تقدم عليه النفس برغبة وحماس. قال الراغب الحرض ما لا يعتد به ولا خير فيه، ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك حرض. قال - تعالى - { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ... }. والتحريض الحث على الشئ.. فكأنه فى الأصل إزالة الحرض نحو حرضته وقذيته أى أزلت عنه الحرض والقذى.

السابقالتالي
2 3 4