الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله { جَنَحُواْ } من الجنوح بمعنى الميل، يقال جنح فلان للشئ وإليه - يجنح - مثلث النون - جنوحاً. أى مال إليه. قال القرطبى والجنوح الميل. وجنح الرجل إلى الآخر مال إليه. ومنه قيل للأضلاع جوانح، لأنها مالت على الحشورة - بضم الحاء وكسرها - أى الأمعاه. وجنحت الإِبل إذا مالت أعناقها فى السير قال ذو الرمة
إذا مات فوق الرحل أحييت روحه بذكراك والعيس المراسيل جنح   
وقرأ الأعمش وأبو بكر وابن محيص " للسلم " - بكسر السين - وقرأ الباقون بالفتح. وإنما قال { لَهَا } لأن السلم مؤنثة - تأنيث نقيضها وهى الحرب.. ويجوز أن يكون التأنيث للفعلة. والمعنى عليك - أيها الرسول الكريم - أن تنكل فى الحرب بأولئك الكافرين الناقضين لعهودهم فى كل مرة، وأن تهيئ ما استطعت من قوة لإِرهابهم فإن مالوا بعد ذلك إلى { اِلسَّلْمِ } أى المسالمة والمصالحة فوافقهم ومل إليها ما دامت المصلحة فى هذه المسالمة. وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } معطوف على { فَٱجْنَحْ لَهَا } لقصد التثبيت وبعث الطمأنينة فى قلبه. أى اقبل المسالمة ما دام فيها مصلحتك، وفوض أمرك إلى الله - تعالى - ولا تخش مكرهم وكيدهم وغدرهم، إنه - سبحانه - { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالهم { ٱلْعَلِيمُ } بأحوالهم، فيجازيهم بما يستحقون، ويرد كيدهم فى نحورهم. وعبر - سبحانه - عن جنوحهم إلى السلم بحرف { إِن } الذى يعبر به عن الشئ المشكوك فى وقوعه، للإِشارة إلى أنهم ليسوا أهلاً لاختيار المسالمة أو المصالحة لذاتها، وإنما هم جنحوا إليها لحاجة فى نفوسهم، فعلى المؤمنين أن يكونوا دائماً على حذر منهم، وألا يأمنوا مكرهم. هذا وقد اختلف العلماء فيمن عنى بهذه الآية، فمنهم من يرى أن المعنى بها أهل الكتاب، ومنهم من يرى أن الآية عامة، أى تشمل أهل الكتاب والمشركين. ثم اختلفوا بعد ذلك فى كونها منسوخة أولاً؟ وقد حكى ابن جرير معظم هذه الخلافات ورجح أن المقصود بهذه الآية جماعة من أهل الكتاب، وأن الآية ليست منسوخة فقال ما ملخصه عن قتادة أن قوله { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا... } منسوخة بقوله فى سورة براءةفَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } وبقولهوَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } فقد كانت هذه - أي الآية التى معنا وهى قوله - تعالى - { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ... } قبل براءة. كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يوادع القول إلى أجل، فإما أن يسلموا، وإما أن يقاتلهم، ثم نسخ ذلك بعد براءة فقالفَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } وعن عكرمة والحسن البصرى قالا { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ... } نسختها الآية التى فى براءة وهى قوله - تعالى -قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }

السابقالتالي
2 3 4