الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

وقوله { وَأَعِدُّواْ } معطوف على ما قبله، وهو من الإِعداد بمعنى تهيئة الشئ للمستقبل، والخطاب لكافة المؤمنين. والرباط فى الأصل مصدر ربط، أى شد، ويطلق، بمعنى المربوط مطلقا، وكثر استعماله فى الخيل التى تربط فى سبيل الله. فالإِضافة إما باعتبار عموم المفهوم الأصلى، أو بملاحظة كون الربط مشتركا بين معان آخر كملازمة الثغور، والمواظبة على الأمر، فإضافته لأحد معانيه للبيان. قال صاحب الكشاف والرباط اسم للخيل التى تربط فى سبيل الله، ويجوز أن يسمى بالرباط الذى هو بمعنى المرابطة، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال - يقال نعم الربيط هذا، لما يرتبط من الخيل. والمعنى عليكم - أيها المؤمنون - أن تعدوا لقتال أعدائكم ما تستطيعون إعداده من وسائل القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها. وجاء - سبحانه - بلفظ { قُوَّةٍ } منكراً، ليشمل كل ما يتقوى به فى الحرب كائنا ما كان. قال الجمل وقوله { مِّن قُوَّةٍ } فى محل نصب على الحال، وفى صاحبها وجهان أحدهما أنه الموصول. والثانى أنه العائد عليه، إذ التقدير ما استطعتموه حال كونه بعض القوة، ويجوز أن تكون { مِن } لبيان الجنس. وقوله { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } معطوف على ما قبله من عطف الخاص على العام. أى أعدوا لقتال أعدائكم، ما أمكنكم من كل ما يتقوى به عليهم فى الحرب، من نحو حصون وقلاع وسلاح. ومن رباط الخيل للغزو والجهاد فى سبيل الله. وخص رباط الخيل بالذكر من بين ما يتقوى به، لمزيد فضلها وغنائها فى الحرب، ولأن الخيل كانت الأداة الرئيسية فى القتال فى العهد النبوى، وقوله { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } بيان للمقصود من الأمر بإعداد ما يمكنهم إعداده من قوة. وقوله { تُرْهِبُونَ } من الرهبة وهى مخافة مع تحرز واضطراب. والضمير المجرور - وهو قوله { بِهِ } - يعود إلى الإِعداد المأخوذ من قوله { وَأَعِدُّواْ }. أى أعدوا ما استطعتم من قوة، حال كونكم مرهبين بهذا الإِعداد عدو الله وعدوكم، من كل كافر ومشرك ومنحرف عن طريق الحق، وعلى رأس هؤلاء جميعا، كفار مكة الذين أخرجوكم من دياركم بغير حق، ويهود المدينة الذين لم يتركوا وسيلة للإِضرار بكم إلا فعلوها. وقوله { وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } معطوف على ما قبله. أى ترهبون بهذا الإِعداد أعداء معروفين لكم - كمشركى مكة ويهود المدينة، وترهبون به أيضاً أعداء آخرين غيرهم أنتم لا تعرفونهم لأنهم يخفون عداوتهم لكم، ولكن الله - تعالى - الذى لا يخفى عليه شئ يعلمهم، وسيحبط أعمالهم. وقد اختلف المفسرون فى المراد بهؤلاء الأعداء الذين عبر الله عنهم بقوله لا تعلمونهم الله يعلمهم، فمنهم من قال المراد بهم بنو قريظة ومنهم من قال المراد بهم أهل فارس والروم.

السابقالتالي
2 3 4