الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }

والكاف فى قوله { كَدَأْبِ } ، للتشبيه، والجار والمجرور فى موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف. والدأب أصله الدوام والاستمرار، يقال دأب فلان على كذا يدأب دأباً - بفتح الهمزة - ودأباً - بسكونها - ودؤوباً، إذا دوام عليه وجد فيه، ثم غلب استعماله فى الحال والشأن والعادة، لأن الذى يستمر فى عمل أمدا طويلا يصير هذا العمل عادة من عاداته، وحالا من أحواله، فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم. والآل - كما يقول الراغب - مقلوب عن الأهل، ويصغر على أهيل، إلا أنه خص بالإِضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال آل فلان، ولا يقال آل رجل، ولا يقال آل الحجام.. بل يضاف إلى الأشرف والأفضل يقال آل الله، وآل السلطان، والأهل يضاف إلى الكل، فيقال أهل الله، وأهل الحجام، وأهل زمان كذا.. والمقصود بآل فرعون هو وأعوانه وبطانته، لأن الآل يطلق على أشد الناس التصاقا واختصاص بالمضاف إليه. والمعنى شأن هؤلاء الكافرين الذين حاربوك يا محمد، والذين هلك منهم من هلك فى بدر، شأنهم وحالهم وعادتهم فيما اقترفوه من الكفر والعصيان وفيما فعل بهم من عذاب وخذلان، كشأن آل فرعون الذين استحبوا العمى على الهدى، والذين زينوا له الكفر والطغيان حتى صار عادته له ولهم، وقد أخذهم - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر، بسبب كفرهم وفجورهم. وقد خص - سبحانه - فرعون وآله بالذكر من بين الأمم الكافرة، لأن فرعون كان أشد الطغاة طغيانا، وأكثرهم غرورا وبطرا، وأكثرهم فى الاستهانة بقومه وفى الاحتقار لعقولهم وكيانهم. ألم يقل لهم - كما حكى القرآن عنه -أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } وألم يبلغ به غروره أن يقول لهمأَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } أما آله وبطانته وأعوانه، فهم الذين زينوا له السوء، وحرضوه على البطش موسى لأنه جاءهم بالحق، ولقد حكى الله عنهم نفاقهم وضلالهم وانغماسهم فى الآثام فى آيات كثيرة، ومن ذلك قوله - تعالى -وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } ولقد وصف الله - تعالى - قوم فرعون بهوان الشخصية، وتفاهة العقل، والخروج عن كل مكرمة فقالفَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } وذلك لأن الأمة التى تترك الظالم وبطانته يعيثون فى الأرض فساداً، لا تستحق الحياة، ولا يكون مصيرها إلا إلى التعاسة والخسران. وقوله { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } تفسير لصنيعهم الباطل، ودأبهم على الفساد والضلال. والمراد بآيات الله ما يعم المتلوة فى كتب الله - تعالى -، والبراهين والمعجزات الدالة على صدق الأنبياء فيما يبلغونه عن ربهم.

السابقالتالي
2 3 4