الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قال الفخر الرازى عند تفسيره لقوله - تعالى - { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ... } المراد قريش حين خرجوا من مكة لحفظ العير. خرجوا يالقيان والمغنيات والمعازف، فلما وردوا الجحفة، بعث خفاف الكناتى - وكان صديقا لأبى جهل - بهدايا إليه مع ابن له، فلما أتاه قال إن أبى ينعمك صباحا ويقول لك إن شئت أن أمدك بالرجال أمددتك، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معى من قرايتى فعلت. فقال أبو جهل قل لأبيك جزاك الله والرحم خيرا. إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله ما لنا بالله طاقة. وإن كنا إنما نقاتل الناس، فوالله إن بنا على الناس لقوة. والله ما نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور، وتعزف فيها القيان، فإن بدرا موسم من مواسم العرب، وسوق من أسواقهم. وحتى تسمع العرب - بمخرجنا فتهابنا آخر الآبد -. قال المفسرون فوردوا بدرا، وشربوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان. وقوله { بَطَراً } مصدر بطر - كفرح - ومعناه كما يقول الراغب دهش يعترى الإِنسان من سوء احتمال النعمة، وقلة القيام بحقها، وصرفها إلى غير وجهها. أى أن البطر ضرب من التكبر والغرور واتخاذ نعم الله - تعالى - وسيلة إلى ما لا يرضيه وهو مفعول لأجله، أو حال، أى حال كونهم بطرين. وقوله { وَرِئَآءَ } مصدر رأى ومعناه القول أو الفعل الذى لا يقصد معه الإِخلاص، وإنما يقصد به التظاهر وحب الثناء. والمعنى كونوا أيها المؤمنون - ثابتين عند لقاء الأعداء، ومكثرين من ذكر الله وطاعته. وصابرين فى كل المواطن.. واحذروا أن تتشبهوا بأولئك المشركين الذين خرجوا من مكة { بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } أى خرجوا غرورا وفخرا وتظاهرا بالشجاعة والحمية.. حتى ينالوا الثناء منهم.. وقوله { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } معطوف على { بَطَراً } والسبيل الطريق الذى فيه سهولة. والمراد بسبيل الله دينه. لأنه يوصل الناس إلى الخير والفلاح. أى خرجوا بطرين بما أوتوا من نعم ومرائين بها الناس، وصادين إياهم عن دين الإِسلام الذى باتباعه يصلون إلى السعادة والنجاح. وعبر عن بطرهم وريائهم بصيغة الاسم الدال على التمكن والثبوت، وعن صدهم بصيغة الفعل الدال على التجدد والحدوث، للإِشعار بأنهم كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والرياء، وأن هذه الصفات دأبهم وديدنهم، أما الصد عن سبيل الله فلم يحصل منهم إلا بعد أن دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى الإِسلام. وقوله { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } تذييل قصد به التحذير من الاتصاف بهذه الصفات الذميمة، لأنه - سبحانه - محيط بكل صغيرة وكبيرة وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8