الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

وقوله { لَقِيتُمْ } من اللقاء بمعنى المقابلة والمواجهة، ويغلب استعماله فى لقاء القتال وهو المراد هنا. وقوله { فِئَةً } أى جماعة. مشتقة من الفئ بمعنى الرجوع، لأن بعضهم يرجع إلى بعض. والمراد بها هنا جماعة المقاتلين من الكافرين وأشباههم. والمتتبع لاستعمال القرآن لهذه الكلمة، يراه يستعملها - فى الأعم الأغلب - فى الجماعة المقاتلة أو الناصرة أو ما يشبه ذلك. قال - تعالى -كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ... } وقال - تعالى -قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ... } وقال - تعالى -وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } والمعنى يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان، { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } أى حاربتم جماعة من أعدائكم، فاثبتوا لقتالهم وأغلظوا عليهم فى النزال، ولا تولوهم الأدبار، { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } لا سيما فى مواطن الحرب، فإن ذكر الله عن طريق القلب واللسان من أعظم وسائل النصر لأن المؤمن متى استحضر عظمة الله فى قلبه لا تهوله قوة عدوه، ولا تخيفه كثرته.. وقوله { لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } أى لعلكم تظفرون بمرادكم من النصر وحسن الثواب، متى فعلتم ذلك عن إخلاص. وقوله { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } معطوف على ما قبله، أى اثبتوا عند لقاء الأعداء، وأكثروا من ذكر الله، وأطيعوا الله ورسوله فى كل أقوالكم وأعمالكم، وفى سركم وجهركم، وفى كل ما تأتون وما تذرون. وقوله { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } نهى لهم عن الاختلاف المؤدى إلى الفشل وضياع القوة بعد أمرهم بالثبات والمداومة على ذكر الله وطاعته. وقوله { تَنَازَعُواْ } من النزع بمعنى الجذب وأخذ الشئ... والتنازع والمنازعة المجاذبة كأن كل واحد من المتنازعين يريد أن ينزع ما عند الآخر ويلقى به. والمراد بالتنازع هنا الخصام والجدال والاختلاف المفضى إلى الفشل أى الضعف. قال الآلوسى وقوله { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } ، قال الأخفش الريح مستعارة للدولة. لشبهها بها فى نفوذ أمرها وتمشيه، ومن كلامهم هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة وجرى أمره على ما يريد. وركدت رياحه إذا ولت عنه وأدبر أمره. قال الشاعر
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون ولا تغفل عن الإِحسان فيها فما تدرى السكون متى يكون   
والمعنى كونوا - أيها المؤمنون - ثابتين ومستمرين على ذكر الله وطاعته عند لقاء الأعداء، ولا تنازعوا وتختمصوا وتختلفوا، فإن ذلك يؤدى بكم إلى الفشل أى الضعف، وإلى ذهاب دولتكم، وهوان كلمتكم، وظهور عدوكم عليكم. { وَٱصْبِرُوۤ } على شدائد الحرب، وعلى مخالفة أهوائكم التى تحملكم على التنازع، { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } بتأييده ومعونته ونصره. هذا والمتأمل فى هاتين الآيتين يراهما قد رسمتا للمؤمنين فى كل زمان ومكان الطريق التى توصلهم إلى الفلاح والظفر.

السابقالتالي
2