الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قال القرطبى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ.. } هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف، والاستجابة الإِجابة... قال الشاعر
وداع دعا يا من يجيب إنى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب   
أى فلم يجبه عند ذاك مجيب. وكان الإِمام القرطبى يرى أن السين والتاء فى قوله " استجيبوا " زائدتان. ولعل الأحسن من ذلك أن تكون السين والتاء للطلب، لأن الاستجابة هى الإِجابة بنشاط وحسن استعداد. وقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أى لما يصلحكم من أعمال البر والخير والطاعة، التى توصلكم متى تمسكتم بها إلى الحياة الكريمة الطيبة فى الدنيا، وإلى السعادة التى ليس بعدها سعادة فى الآخرة. وهذا المعنى الذى ذكرناه لقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أدق مما ذكره بعضهم من أن المراد بما يحييهم القرآن، أو الجهاد، أو العلم.. إلخ. وذلك، لأن أعمال البر والخير والطاعة تشمل كل هذا. والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله حق الإِيمان، { ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } عن طواعية واختيار، ونشاط وحسن استعداد { إِذَا دَعَاكُم } الرسول - صلى الله عليه وسلم - { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أى إلى ما يصلح أحوالكم، ويرفع درجاتكم، من الأقوال النافعة، والأعمال الحسنة، التى بالتمسك بها تحيون حياة طيبة وتظفرون بالسعادتين الدنيوية والأخروية. والضمير فى قوله { دَعَاكُم } يعود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله، ولأن فى الاستجابة له استجابة لله - تعالى -. قال - سبحانه -مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } وقوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } تحذير لهم من الغفلة عن ذكر الله، وبعث لهم على مواصلة الطاعة له - سبحانه -. وقوله { يَحُولُ } من الحول بين الشئ والشئ، بمعنى الحجز والفصل بينهما. قال الراغب أصل الحول تغير الشئ وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل حال الشئ يحول حولا واستحال تهيأ لأن يحول وباعتبار الانفصال فيل حال بينى وبينك كذا أى فصل.. هذا، وللمفسرين فى معنى هذه الجملة الكريمة أقوال متعددة أهمها قولان أما القول الأول فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه - كما يقول ابن جرير - أنه - سبحانه - أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك شيئا من إيمان أو كفر، أو أن يعى به شيئا، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته، وذلك أن الحول بين الشئ والشئ إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز - جل ثناؤه - بين عبد وقلبه فى شئ أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل، وإذا كان ذلك معناه دخل فى ذلك قول من قال يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإِيمان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6