الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

قال القرطبى قوله - تعالى - { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } الاستغاثة طلب الغوث والنصر، يقال غّوث الرجل، أى قال واغوثاه، والاسم الغوث والغواث، واستغاثنى فلان فأغثته، والاسم الغياث. وقوله { مُمِدُّكُمْ } من الإِمداد بمعنى الزيادة والإِغاثة، وقد جرت عادة القرآن أن يستعمل الإِمداد فى الخير، وأن يستعمل المد فى الشر والذم. قال - تعالى -وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } وقال - تعالى -ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } قال - تعالى -قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } وقال - تعالى -ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وقوله { مُرْدِفِينَ } من الإِرداف بمعنى التتابع. قال الفخر الرازى قرأ نافع وأبو بكر عن عاصم { مُرْدِفِينَ } - بفتح الدال - وقرأ الباقون بكسرها، والمعنى على الكسر، أى متتابعين يأتى بعضهم فى إثر البعض كالقوم الذين أردفوا على الدواب. والمعنى على قراءة الفتح، أى فعل بهم ذلك، ومعناه أن الله - تعالى - أردف المسلمين وأمدهم بهم أى جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم. والمعنى اذكروا - أيها المؤمنون - وقت أن كنتم - وأنتم على أبواب بدر - { تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } أى تطلبون منه الغوث والنصر على عدوكم { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } دعاءكم، وكان من مظاهر ذلك أن أخبركم على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - بأنى { مُمِدُّكُمْ } أى معينكم وناصركم بألف من الملائكة مردفين، أى متتابعين، بعضهم على إثر بعض، أو أن الله - تعالى - جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم وتثبيتهم. ويروى الإِمام مسلم عن ابن عباس قال " حدثنى عمر بن الخطاب قال كان يوم بدر، نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فاستقبل نبى الله - القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ويقول اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد فى الأرض، فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من وراءه، وقال يا نبى الله!! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله - عز وجل - { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } " الآية فأمده الله بالملائكة. وروى البخارى عن ابن عباس قال قال النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، " اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد، فأخذ أبو بكر بيده، فقال حسبك، فخرج - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول " سيهزم الجمع ويولون الدبر " ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد