الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } * { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } * { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } * { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } * { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } * { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } * { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } * { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } * { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } * { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } * { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } * { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }

الواو فى قوله { وَٱلنَّازِعَاتِ.. } وما بعده للقسم، وجواب القسم محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير وحق هذه المخلوقات العظيمة.. لتبعثن. وكذلك المقسم به محذوف، إذ أن هذه الألفاظ وهى النازعات، والناشطات والسابحات، والسابقات، والمدبرات، صفات لموصوفات محذوفة، اختلف المفسرون فى المراد بها على أقوال كثيرة. أشهرها أن المراد بهذه الموصوفات، طوائف من الملائكة، كلفهم الله - تعالى - بالقيام بأعمال عظيمة، وأفعال جسيمة. والنازعات جمع نازعة. والنزع جذب الشىء بقوة، كنزع القوس عن كبده. ومنه قوله - تعالى - فى النزع الحسىوَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وقوله - سبحانه - فى النزع المعنوىوَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } وقوله { غرقا } اسم مصدر من أغرق، وأصله إغراقا. والإِغراق فى الشئ، المبالغة فيه والوصول به إلى نهايته، يقال أغرق فلان هذا الأمر، إذا أوغل فيه، ومنه قوله نزع فلان فى القوس فأغرق، أى بلغ غاية المد حتى انتهى إلى النَّصْل. وهو منصوب على المصدرية، لالتقائه مع اللفظ الذى قبله فى المعنى، وكذلك الشأن بالنسبة للالفاظ التى بعده، وهى " نشطا، و " سبحا " و " سبقا ". والمعنى وحق الملائكة الذين ينزعون أرواح الكافرين من أجسادهم، نزعا شديدا، يبلغ الغاية فى القسوة والغلظة. ويشير إلى هذا المعنى قوله - تعالى - فى آيات متعددة، منها قوله - سبحانه -وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } وقوله { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } المقصود به طائفة أخرى من الملائكة. والناشطات من النَّشْط، وهو السرعة فى العمل، والخفة فى أخذ الشئ، ومنه الأنشوطة، للعقدة التى يسهل حلها، ويقال نَشَطتُ الدلو من البئر - من باب ضرب - إذا نزعتها بسرعة وخفة. أى وحق الملائكة الذين ينشطون ويسرعون إسراعا شديدا لقبض أرواح المؤمنين بخفة وسهولة ويقولون لهم - على سبيل البشارة والتكريم -يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ. ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وقوله - سبحانه - { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } قسم ثالث بطائفة ثالثة من طوائف الملائكة، التى تَسْبَحُ فى هذا الكون، أى تنطلق بسرعة لتنفيذ أمر الله - تعالى -، ولتسبيحه، وتحميده، وتكبيره، وتقديسه. أى وحق الملائكة الذين يسرعون التنقل فى هذا الكون إسراعا شديدا، لتنفيذ ما كلفهم - سبحانه - به، ولتسبيحه وتنزيهه عن كل نقص.. وقوله - تعالى - { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } المقصود به طائفة رابعة من الملائكة، تسبق غيرها فى تنفيذ أمر الله - تعالى -، إذ السبق معناه أن يتجاوز السائر من يسير معه، ويسبقه إلى المكان المقصود الوصول إليه، كما قال - تعالى - فى صفات المتقين

السابقالتالي
2 3 4 5