الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } * { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } * { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } * { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

قوله - سبحانه - { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً... } كلام مستأنف لبيان أهوال جهنم وأحوالها. وجهنم اسم لدار العذاب فى الآخرة. والمرصاد مفعال من الرَّصَد. تقول رصدت فلانا أرصده، إذا ترقيته وانتظرته، بحيث لا يهرب منك، " فمرصادا " صيغة مبالغة للراصد الشديد الرصد، وصفت جهنم بذلك، لأن الكافرين لا يستطيعون التفلت منها مهما حاولوا ذلك. قال القرطبى " مرصادا " مفعال من الرصَد، والرصد كل شئ كان أمامك.. وقال مقاتل " مرصادا " أى محبسا. وقيل طريقا وممرا. وذكر القشيرى أن المرصاد المكان الذى يرصد فيه الواحد العدد. أى هى معدة لهم، فالمرصاد بمعنى المحل.. وذكر الماوردى، أنها بمعنى راصدة.. وفى الصحاح الراصد الشئ الراقب له. تقول رصدته أرصده، إذا ترقبته.. والمعنى إن جهنم التى هى دار العذاب فى الآخرة، كانت - بأمر الله - تعالى - ومشيئته - معدة ومهيئة للكافرين، فهى ترصدهم وترقبهم بحيث لا يستطيعون الهرب منها، فهى كالحارس اليقظ الذى يقف بالمرصد فلا يستطيع أحد أن يتجاوزه. والمقصود بالآية الكريمة تهديد المشركين، وبيان أنهم لا مهرب لهم من جهنم، وأنها فى انتظارهم، كما ينتظر العدو عدوه ليقضى عليه. وقوله { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } بدل من { مِرْصَاداً } وقوله { مَآباً } من الأوب بمعنى المرجع. يقال آب فلان يؤوب، إذا رجع.. أى إن جهنم كانت للمتجاوزين الحد فى الظلم والطغيان، هى المكان المهيأ لهم، والذى لا يستطيعون الهرب منه، بل هى مرجعهم الوحيد الذى يرجعون إليه. وقوله { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } أى مقيمين فى جهنم أزمانا طويلا لا يعلم مقدارها إلا الله - تعالى - إذا الأحقاب جمع حُقُب - بضمتين أو بضم فسكون -، وهو الزمان الطويل. { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا } أى فى جهنم { بَرْداً } أى شيئا يخفف عنهم حرها، من هواء بارد، أو نسيم عليل { وَلاَ شَرَاباً } أى شيئا من الشراب الذى يطفئ عطشهم، ويخفف من عذابهم. { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } والحميم. هو الماء الذى بلغ الغاية فى الحرارة. والغساق هو ما يسيل من جلودهم من القيح والدماء والصديد. يقال غسق الجرح - كضرب وسمع - غسقانا، إذا سالت منه مياه صفراء. أى أن هؤلاء الطغاة لا يذوقون فى جهنم شيئا من الهواء البارد، ولا من الشراب النافع، لكنهم يذوقون فيها الماء الذى بلغ النهاية فى الحرارة والصديد الذى يسيل من جروحهم وجلودهم. فالاستثناء فى قوله { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } ، استثناء منقطع، لأن الحميم ليس من جنس البرد فى شئ، وكذلك الغساق ليس من جنس الشراب فى شئ. وقوله - سبحانه - { جَزَآءً وِفَاقاً } بيان لعدالة الله - تعالى - معهم، أى أننا لم نظلمهم بإلقائهم فى جهنم، وإنما جازيناهم بذلك جزاء موافقا لأعمالهم السيئة فى الدنيا.

السابقالتالي
2 3 4 5