الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } * { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } * { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } * { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } * { فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ذِكْراً } * { عُذْراً أَوْ نُذْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ } * { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } * { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } * { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } * { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

للمفسرين فى معنى هذه الصفات الخمس " المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات " اتجاهات، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة. فقد قال صاحب الكشاف أقسم الله بطوائف من الملائكة، أرسلهن بأوامره فعصفن فى مضيهن كما تعصف الرياح، تخففا فى امتثال أمره. وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى، أو نشرن الشرائع فى الأرض.. ففرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا، للمحقين، أو نذرا للمبطلين. فإن قلت ما معنى عرفا؟ قلت متتابعة كشعر العُرْفِ - أى عرف الفرس - يقال جاءوا عرفا واحدا، وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه.. ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها الرياح، فقد قال الجمل فى حاشيته أقسم الله - تعالى - بصفات خمس موصوفها محذوف، فجعلها بعضهم الرياح فى الكل، وجعلها بعضهم الملائكة فى الكل.. وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول، لموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة.. وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث، لأنه هو تصورنا أقرب الآراء إلى الصواب، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح، وبعضها للملائكة. فيكون المعنى وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين، فتعصفهم عصفا، وتهلكهم إهلاكا شديدا، فقوله { عَصْفاً } وصف مؤكد للإِهلاك الشديد، يقال عصفت الريح، إذا اشتدت، وعصفت الحرب بالقوم، إذا ذهبت بهم، وناقة عصوف، إذا مضت براكبها مسرعة، حتى لكأنها الريح. وقوله { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } أى وحق الرياح التى تنتشر انتشارا عظيما فى الآفاق، فتأتى بالسحب، التى تتحول بقدرة الله - تعالى - إلى أمطار غزيرة نافعة. قال ابن كثير - بعد أن ذكر آراء العلماء فى معنى هذه الألفاظ - والأظهر أن المرسلات هى الرياح، كما قال - تعالى -وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ... } وقال - سبحانه -وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } وهكذا العاصفات هى الرياح، يقال عصفت الريح إذا هبت بتصويت، وكذا { وٱلنَّاشِرَاتِ } هى الرياح التى تنشر السحاب فى آفاق السماء كما يشاء الرب - عز وجل -. وقوله - سبحانه - { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } يصح أن يكون وصفا للملائكة الذين ينزلون بالشرائع المفرقة بين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الضلال. ويصح أن يكون وصفا للآيات التى أنزلها الله - تعالى - للتمييز بين الخير والشر، والرشد والغى. وقوله { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } قال القرطبى هم الملائكة بإجماع، يلقون كتب الله - تعالى - إلى الأنبياء - عليهم السلام -. فالمراد بالذكر فى قوله { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } وحى الله - تعالى - الذى يبلغه الملائكة إلى الرسل. وقوله { عُذْراً أَوْ نُذْراً } منصوبان على أنهما بدل اشتمال من قوله { ذكرا } أو مفعول لأجله.

السابقالتالي
2 3