الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

الاستفهام فى قوله - تعالى - { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ.. } للتقرير. والمراد بالإِنسان جنسه، فيشمل جميع بنى آدم، والحين المقدار المجمل من الزمان، لأحد لأكثره ولا لأقله. والدهر الزمان الطويل غير المحدد بوقت معين. والمعنى لقد أتى على الإِنسان { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } أى وقت غير محدد من الزمان الطويل الممتد فى هذه الحياة الدنيا. { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } أى لم يكن هذا الإِنسان فى ذلك الحين من الدهر، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه، وإنما كان شيئا غير موجود إلا فى علم الله - تعالى -. ثم أوجده - سبحانه - بعد ذلك من نطفة فعلقة فمضغة.. ثم أنشأه - سبحانه - بعد ذلك خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. فالمقصود بهذه الآية الكريمة بيان مظهر من مظاهر قدرته - عز وجل - حيث أوجد الإِنسان من العدم، ومن كان قادرا على ذلك، كان - من باب أول - قادرا على إعادته إلى الحياة بعد موته، للحساب والجزاء. قال الإِمام الفخر الرازى ما ملخصه اتفقوا على أن " هل " هاهنا، وفى قوله - تعالى -هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } بمعنى قد، كما تقول هل رأيت صنيع فلان، وقد علمت أنه قد رآه. وتقول هل وعظتك وهل أعطيتك، ومقصودك أن تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته. والدليل على أن " هل " هنا ليست للاستفهام الحقيقى.. أنه محال على الله - تعالى - فلابد من حمله على الخبر. وجاءت الآية الكريمة بأسلوب الاستفهام، لما فيه من التشويق إلى معرفة ما سيأتى بعده من كلام. وجملة { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } فى وضع نصب على الحال من الإِنسان، والعائد محذوف. أى حالة كون هذا الإِنسان، لم يكن فى ذلك الحين من الدهر، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه. وإنما كان نسيا منسيا، لا يعلم بوجوده أحد سوى خالقه - عز وجل -. ثم فصل - سبحانه - بعد هذا التشويق، أطوار خلق الإِنسان فقال { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ } والمراد بالإِنسان هنا - أيضا - جنسه وجميع أفراده. و " أمشاج " بمعنى أخلاط من عناصر شتى، مشتق من المشج بمعنى الخلط، يقال مشج فلان بين كذا وكذا - من باب ضرب - إذا خلط ومزج بينهما، وهو جمع مشَج - كسبب، أو مَشِج - ككتف، أو مشيج - كنصير. قال الجمل " أمشاج " نعت لنطفة. ووقع الجمع صفة لمفرد، لأنه فى معنى الجمع، أو جعل كل جزء من النطفة نطفة، فاعتبر ذلك فوصف بالجمع.. ويرى صاحب الكشاف ان لفظ " أمشاج " مفرد جاء على صيغة أفعال، كلفظ أعشار فى قولهم برمة أعشار، أى برمة متكسرة قطعا قطعا، وعليه يكون المفرد قد نعت بلفظ مفرد مثله.

السابقالتالي
2