الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

قوله - سبحانه - { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ.. } كلام مستأنف لبيان جزاء الكافرين بعد أن تطلعت إليه النفس، بعد سماعها لقوله - تعالى -إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } وابتداء - سبحانه - بذكر جزاء الكافر، لأن ذكره هو الأقرب ولأن الغرض بيان جزائه على سبيل الإِجمال، ثم تفصيل القول بعد ذلك فى بيان جزاء المؤمنين. والسلاسل جمع سلسلة، وهى القيود المصنوعة من الحديد والتى يقيد بها المجرمون. وقد قرأ بعض القراء السبعة هذا اللفظ بالتنوين، وقرأه آخرون بدون تنوين. والأغلال جمع غل - بضم الغين - وهو القيد الذى يقيد به المذنب ويكون فى عنقه، قال - تعالى -إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ. فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } والمعنى إنا أعتدنا وهيأنا للكافرين سلاسل يقادون بها، وأغلالا تجمع بها أيديهم إلى أعناقهم على سبيل الإِذلال لهم، وهيأنا لهم - فوق ذلك - ناراً شديدة الاشتعال تحرق بها أجسادهم. ثم بين - سبحانه - ما أعده للمؤمنين الصادقين من خير عميم فقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً }. والأبرار جمع بَرٍّ أو بَارٍّ. وهو الإِنسان المطيع لله - تعالى - طاعة تامة، والمسارع فى فعل الخير، والشاكر لله - تعالى - على نعمه. والكأس هو الإِناء الذى توضع فيه الخمر، ولا يسمى بهذا الاسم إلا إذا كانت الخمر بداخله، ويصح أن يطلق الكأس على الخمر ذاتها على سبيل المجاز، من باب تسمية الحال باسم الحال، وهو المراد هنا. لقوله - تعالى - { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً }. و " من " للتبعيض. والضمير فى قوله { مِزَاجُهَا } يعود إلى الكأس التى أريد بها الخمر، والمراد " بمزاجها " خليطها من المزج بمعنى الخلط يقال مزجت الشئ بالشئ، إذا خلطته به. والكافور اسم لسائل طيب الرائحة، أبيض اللون، تميل إليه النفوس. أى إن المؤمنين الصادقين، الذين أخلصوا لله - تعالى - الطاعة والعبادة والشكر.. يكافئهم - سبحانه - على ذلك، بأن يجعلهم يوم القيامة فى جنات عالية، ويتمتعون بالشراب من خمر، هذه الخمر كانت مخلوطة بالكافور الذى تنتعش له النفوس، وتحبه الأرواح والقلوب، لطيب رائحته، وجمال شكله. وذكر - سبحانه - هذه الأشياء فى هذه السورة - من الكافور - والزنجبيل، وغيرهما، لتحريض العقلاء على الظفر فى الآخرة بهذه المتع التى كانوا يشتهونها فى الدنيا، على سبيل تقريب الأمور لهم، وإلا فنعيم الآخرة لا يقاس فى لذته ودوامه بالنسبة لنعيم الدنيا الفانى. قال ابن عباس كل ما ذكر فى القرآن مما فى الجنة وسماه، ليس له من الدنيا شبيه إلا فى الاسم. فالكافور، والزنجبيل، والأشجار والقصور، والمأكول والمشروب، والملبوس والثمار، لا يشبه ما فى الدنيا إلا فى مجرد الاسم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7