الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } * { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } * { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } * { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } * { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }

قوله - سبحانه - { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } بيان لما جبل عليه كثير من الناس، من إيثارهم منافع الدنيا الزائلة، على منافع الآخرة الباقية، وزجر ونهى لهم عن سلوك هذا المسلك، الذى يدل على قصر النظر، وضعف التفكير. أى كلا - أيها الناس - ليس الرشد فى أن تتركوا العمل الصالح الذى ينفعكم يوم القيامة، وتعكفوا على زينة الحياة الدنيا العاجلة.. بل الرشد كل الرشد فى عكس ذلك، وهو أن تأخذوا من دنياكم وعاجلتكم ما ينفعكم فى آخرتكم، كما قال - سبحانه -وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى -إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } ثم بين - سبحانه - حال السعداء والأشقياء يوم القيامة فقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }. وقوله { ناضرة } اسم فاعل من النَّضْرة - بفتح النون المشددة وسكون الضاد - وهى الجمال والحسن. تقول وجه نضير، إذا كان حسنا جميلا. وقوله { باسرة } من البسور وهو شدة الكلوح والعبوس، ومنه قوله - تعالى -ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } يقال بسَر فلان يبسُر بسُورا، إذا قبض ما بين عينيه كراهية للشئ الذى يراه. والفاقرة الداهية العظمية التى لشدتها كأنها تقصم فقار الظهر. يقال فلان فقرته الفاقرة، أى نزلت به مصيبة شديدة أقعدته عن الحركة. وأصل الفَقْر الوسم على أنف البعير بحديدة أو نار حتى يخلُصَ إلى العظم أو ما يقرب منه. والمراد بقوله { يومئذ } يوم القيامة الذى تكرر ذكره فى السورة أكثر من مرة. والجملة المقدرة المضاف إليها " إذ " والمعوض عنها بالتنوين تقديرها يوم إذ برق البصر. والمعنى يوم القيامة، الذى يبرق فيه البصر، ويخسف القمر.. تصير وجوه حسنة مشرقة، ألا وهى وجوه المؤمنين الصادقين.. وهذه الوجوه تنظر إلى ربها فى هذا اليوم نظرة سرور وحبور، بحيث تراه - سبحانه - على ما يليق بذاته، وكما يريد أن تكون رؤيته - عز وجل - بلا كيفية، ولا جهة، ولا ثبوت مسافة. وهناك وجوه أخرى تصير فى هذا اليوم كالحة شديدة العبوس، وهى وجوه الكافرين والفاسقين عن أمر ربهم، وهذه الوجوه { تَظُنُّ } أى تعتقد أو تتوقع، أن يفعل بها فعلا يهلكها، ويقصم ظهورها لشدته وقسوته. وجاء لفظ " وجوه " فى الموضعين منكرا، للتنويع والتقسيم، كما فى قوله - تعالى -فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } وكما فى قول الشاعر
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَر   
وقد أخذ العلماء من قوله - تعالى - { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أن الله - تعالى - يتكرم على عباده المؤمنين فى هذا اليوم، فيربهم ذاته بالكيفية التى يريدها - سبحانه -.

السابقالتالي
2 3 4 5