الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } * { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } * { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } * { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } * { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } * { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } * { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } * { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } * { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } * { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } * { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } * { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } * { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ }

قوله - تعالى - { رَهِينَةٌ } خبر عن { كُلُّ نَفْسٍ } ، وهو بمعنى مرهونة. أى كل نفس مرهونة عند الله - تعالى - بكسبها، مأخوذة بعملها، فإن كان صالحا أنجاها من العذاب، وإن كان سيئا أهلكها، وجعلها محلا للعقاب. قالوا وإنما كانت مرهونة، لأن الله - تعالى - جعل تكليف عباده كالدَّين عليهم، ونفوسهم تحت استيلائه وقهره، فهى مرهونة، فمن وفى دينه الذى كلف به، خلص نفسه من عذاب الله - تعالى - الذين نزل منزلة علامة الرهن، وهو أخذه فى الدين، ومن لم يوف عذب. والاستثناء فى قوله { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } استثناء متصل أى أن كل نفس مرهونة بعملها.. إلا أصحاب اليمين وهم المؤمنين الصادقون فإنهم مستقرون { فِي جَنَّاتٍ } عالية { يَتَسَآءَلُونَ. عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أى يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين. وهذا التساؤل إنما يكون قبل أن يروهم، فإذا ما رأوهم سألوهم بقوله { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } أى قال أصحاب اليمين للمجرمين ما الذى أدخلكم فى سقر، وجعلكم وقودا لنارها وسعيرها؟ والسؤال إنما هو على سبيل التوبيخ والتحسير لهؤلاء المجرمين. وعبر - سبحانه - بقوله { مَا سَلَكَكُمْ... } للإِشعار بأن الزج بهم فى سقر، كان بعنف وقهر، لأن السلك معناه إدخال شئ بصعوبة وقسر، ومنه قوله - تعالى -كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ. لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } ثم حكى - سبحانه - ما رد به المجرمون على أصحاب اليمين فقال { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ. حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ }. أى قال المجرمون لأصحاب اليمين الذى أدى بنا إلى الإِلقاء فى سقر، أننا فى الدنيا لم نقم بأداء الصلاة الواجبة علينا، ولم نعط المسكين ما يستحقه من عطاء، بل بخلنا عليه، وحرمناه حقوقه.. وكنا - أيضا - فى الدنيا نخوض فى الأقوال السيئة وفى الأفعال الباطلة مع الخائضين فيها، دون أن نتورع عن اجتناب شئ منها. وأصل الخوض الدخول فى الماء، ثم استعير للجدال الباطل، وللأحاديث التى لا خير من ورائها. وكنا - أيضا - نكذب بيوم القيامة، وننكر إمكانه ووقوعه، وبقينا على هذا الإِنكار والضلال { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } أى حتى أدركنا الموت، ورأينا بأعيننا صدق ما كنا نكذب به. فأنت ترى أن هؤلاء المجرمين قد اعترفوا بأن الإِلقاء بهم فى سقر لم يكن على سبيل الظلم لهم، وإنما كان بسبب تركهم للصلاة وللإِطعام، وتعمدهم ارتكاب الباطل من الأقوال والأفعال، وتكذيبهم بيوم القيامة وما فيه من حساب وجزاء. وقوله - سبحانه - { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } حكم منه - سبحانه - عليهم بحرمانهم ممن يشفع لهم أو ينفعهم.

السابقالتالي
2 3