الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } * { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }

قال الإِمام ابن كثير يقول الله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } أى خزانها { إِلاَّ مَلاَئِكَةً } أى غلاظا شدادا. وذلك رد على مشركى قريش حين ذكر عدد الخزنة. فقال أبو جهل يا معشر قريش، أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم؟ فقال الله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } أى شديدى الخلق لا يقاومون ولا يغالبون. وقد قيل إن أبا الأشد - واسمه كلدة بن أسيد بن خلف - قال يا معشر قريش، اكفونى منهم اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر، إعجابا منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة - فيما يزعمون - أنه كان يقف على جلد البقرة، ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدميه، فيتمزق الجلد، ولا يتزحزح عنه.. وقال الجمل فى حاشيته قال ابن عباس لما نزلت هذه الآيةعَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم! محمد صلى الله عليه وسلم يخبر أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الشجعان، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم؟. فقال أبو الأشد أنا أكفيكم منهم سبعة عشر،ـ عشرة على ظهرى، وسبعة على بطنى. وأكفونى أنتم اثنين.. فأنزل الله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً.. }. والمقصود من هذه الآية الكريمة الرد على المشركين، الذين سخروا من النبى صلى الله عليه وسلم عندما عرفوا منه أن على سقر تسعة عشر ملكا يتولون أمرها.. أى إننا أوجدنا النار لعذاب الكافرين، وما جعلنا خزنتها إلا من الملائكة الغلاظ الشداد، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والذين لا قدرة لأحد من البشر على مقاومتهم أو مخالفة أمرهم، لأنهم أشد بأسا، وأقوى بطشا من كافة الإِنس والجن.. والاستثناء من عموم الأنواع. أى وما جعلنا أصحاب النار إلا من نوع الملائكة، الذين لا قدرة لأحد من البشر على مقاومتهم.. وقوله - سبحانه - { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } بيان لحكمة أخرى من ذكر هذا العدد.. والفتنة بمعنى الاختبار والامتحان. تقول فتنت الذهب بالنار، أى اختبرته بها، لتعلم جودته من رداءته. وقوله { إِلاَّ فِتْنَةً } مفعول ثان لقوله { جَعَلْنَا } والكلام على حذف مضاف.. أى وما جعلنا عدة خزنة النار تسعة عشر، إلا ليكون هذا العدد سبب فتنة واختبار للذين كفروا، ولقد زادهم هذا الامتحان والاختبار جحودا وضلالا، ومن مظاهر ذلك أنهم استهزأوا بالنبى صلى الله عليه وسلم عندما قرأ عليهم القرآن، فحق عليهم عذابنا ووعيدنا.. قال الإِمام الرازى وإنما صار هذا العدد سببا لفتنة الكفار من وجهين الأول أن الكفار كانوا يستهزئون ويقولون لم لا يكونون عشرين - بدلا من تسعة عشر - وما المقتضى لتخصيص هذا العدد؟.

السابقالتالي
2 3 4 5