الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } * { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } * { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } * { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } * { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } * { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } * { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } * { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

قوله سبحانه { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً.. } معطوف على قوله - تعالى -أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ.. } فهو من جملة الموحى به، وهو من كلام الله - تعالى - لبيان سنة من سننه فى خلقه، واسم " أن " المخففة ضمير الشأن والخبر قوله، { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُوا.. } والضمير يعود على القاسطين سواء أكانوا من الإِنس أم من الجن. والماء الغدق هو الماء الكثير، يقال غَدِقَتْ عين فلان غَدَقاً - كفرح - إذا كثر دمعها فهى غدقة، ومنه الغيداق للماء الواسع الكثير، والمراد لأعطيناهم نعما كثيرة. أى ولو أن هؤلاء العادلين عن طريق الحق إلى طريق الباطل استقاموا على الطريقة المثلى، التى هى طريق الإِسلام، والتزموا بما جاءهم به النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه.. لو أنهم فعلوا ذلك، لفتحنا عليهم أبواب الرزق، ولأعطيناهم من بركاتنا وخيراتنا الكثير.. وخص الماء الغدق بالذكر، لأنه أصل المعاش والسعة. ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى -وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } وقوله - سبحانه -وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ... } وقوله - تعالى -وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } ثم بين - سبحانه - الحكمة فى هذا العطاء لعباده فقال { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } وأصل الفتن الامتحان والاختبار. تقول فتنت الذهب بالنار، أى اختبرته لتعرف مقدار جودته. والمعنى نعطيهم ما نعطيهم من خيراتنا، لنختبرهم ونمتحنهم، ليظهر للخلائق موقفهم من هذه النعم، أيشكروننا عليها فنزيدهم منها، أم يجحدون ويبطرون فنمحقها من بين أيديهم..؟. والجملة الكريمة معترضة بين ما قبلها، وبين قوله - تعالى - بعد ذلك { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }. وقوله { يَسْلُكْهُ } من السلك بمعنى إدخال الشئ فى الشئ ومنه قوله - تعالى -كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } والصَّعَد الشاق. يقال فلان فى صَعَد من أمره، أى فى مشقة وتعب، وهو مصدر صَعِد - كفرح - صعداً وصعودا. أى ومن يعرض عن طاعة ربه ومراقبته وخشيته.. يدخله - سبحانه - فى عذاب شاق أليم، لا مفر منه، ولا مهرب له عنه. ومن الحقائق والحكم التى نأخذها من هاتين الآيتين، أن الاستقامة على أمر الله، تؤدى إلى السعادة التى ليس بعدها سعادة، وأن رخاء العيش وشظافته هما لون من ألوان الابتلاء والاختبار، كما قال - تعالى -وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } وأن الإِعراض عن ذكر الله... عاقبته الخسران المبين، والعذاب الأليم. قال القرطبى ما ملخصه قوله { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أى لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7