الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } * { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } * { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } * { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } * { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }

قوله - تعالى - { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } بيان للطرق والمسالك التى سلكها نوح مع قومه، وهو يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - بحرص شديد ومواظبة تامة.. وموقف قومه من دعوته لهم. والمقصود بهذا الخبر لازم معناه، وهو الشكاية إلى ربه، والتمهيد لطلب النصر منه - تعالى - عليهم، لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه أن نوحا - عليه السلام - لم يقصر فى تبليغ رسالته. أى قال نوح متضرعا إلى ربه يا رب إنك تعلم أننى لم أقصر فى دعوة قومى إلى عبادتك، تارة بالليل وتارة بالنهار، من غير فتور ولا توان. { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ } لهم إلى عبادتك وطاعتك { إِلاَّ فِرَاراً } أى إلا تباعدا من الإِيمان وإعراضا عنه. والفرار الزَّوَغَان والهرب. يقال فر فلان يفر فرارا، فهو فرور، إذا هرب من طالبه، وزاغ عن عينه. والتعبير بقوله { دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } ، يشعر بحرص نوح التام على دعوتهم، فى كل وقت يظن فيه أن دعوته لهم قد تنفع. كما أن التعبير بقوله { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } يدل دلالة واضحة على إعراضهم التام عن دعوته، أى فلم يزدهم دعائى شيئا من الهدى، وإنما زادهم بُعْداً عنى، وفرارا منى. وإسناد الزيادة إلى الدعاء، من باب الإِسناد إلى السبب، كما فى قولهم سرتنى رؤيتك. وقوله { فِرَاراً } مفعول ثان لقوله { فَلَمْ يَزِدْهُمْ } والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال والمستثنى منه مقدر، أى فلم يزدهم دعائى شيئا من أحوالهم التى كانوا عليها إلا الفرار. ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا. أى فلم يزدهم دعائى قرباً من الحق، لكن زادهم فرارا منه. ثم أضاف إلى فرارهم منه، حالة أخرى. تدل على إعراضهم عنه، وعلى كراهيتهم له، فقال { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً }. وقوله { كُلَّمَا } معمول لجملة { جَعَلُوۤاْ } التى هى خبر إن، واللام فى قوله { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } للتعليل. والمراد بأصابعهم جزء منها. واستغشاء الثياب معناه جعلها غشاء، أى غطاء لرءوسهم ولأعينهم حتى لا ينظروا إليه، ومتعلق الفعل " دعوتهم " محذوف لدلالة ما تقدم عليه، وهو أمرهم بعبادة الله وتقواه. والمعنى وإنى - يا مولاى - كلما دعوتهم إلى عبادتك وتقواك وطاعتى فيما أمرتهم به، لكى تغفر لهم ذنوبهم.. ما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم فى آذانهم حتى لا يسمعوا قولى، وإلا أن وضعوا ثيابهم على رءوسهم. وأبصارهم حتى لا يرونى، وإلا أن { وَأَصَرُّواْ } إصرارا تاما على كفرهم { وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } عظيما عن قبول الحق. فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة، قد صورت عناد قوم نوح، وجحودهم للحق، تصويرا بلغ الغاية فى استحبابهم العمى على الهدى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6