الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } * { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } * { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } * { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } * { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }

قوله - سبحانه - { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ.. } كلام مستأنف. لأن ما سبقه يستدعى سؤالا تقديره ماذا كانت عاقبة قوم نوح بعد أن نصحهم ووعظهم بتلك الأساليب المتعددة؟ فكان الجواب { قَالَ نُوحٌ } - عليه السلام - بعد أن طال نصحه لقومه، وبعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وبعد أن يئس من إيمانهم وبعد أن أخبره - سبحانه - أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. { قَالَ } متضرعا إلى ربه { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } أى إن قومى قد عصونى وخالفوا أمرى، وكرهوا صحبتى، وأصروا واستكبروا استكبارا عظيما فى دعوتى. { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أى إنهم أصروا على معصيتى، ولم يكتفوا بذلك بل بجانب إعراضهم عنى، اتبعوا غيرى.. اتبعوا رؤساءهم أهل الأموال والأولاد الذين لم تزدهم النعم التى أنعمت بها عليهم إلا خسرانا وجحودا، وضلالا فى الدنيا، وعقوبة فى الآخرة. فالمراد بالذين لم يزدهم مالهم وولدهم إلا خسارا أولئك الكبراء والزعماء الذين رزقهم الله المال والولد، ولكنهم استعملوا نعمه فى معصيته لا فى طاعته. وقوله { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } صفة أخرى من صفاتهم الذميمة، وهو معطوف على صلة " مَن " والجمع باعتبار معناها، كما أن الإِفراد فى الضمائر السابقة باعتبار اللفظ. والمكر هو التدبير فى خفاء لإِنزال السوء بالممكور به. أى أن هؤلاء الزعماء الذين استعملوا نعمك فى الشر، لم يكتفوا بتحريض أتباعهم على معصيتى، بل مكروا بى وبالمؤمنين مكرا قد بلغ النهاية فى الضخامة والعظم. فقوله { كُبَّاراً } مبالغة فى الكبر والعظم. أى مكرا كبيرا جدا لا تحيط بحجمه العبارة. وكان من مظاهر مكرهم تحريضهم لسفلتهم على إنزال الأذى بنوح - عليه السلام - وبأتباعه - وإيهامهم لهؤلاء السفلة أنهم على الحق، وأن نوحا ومن معه على الباطل. وكان من مظاهر مكرهم - أيضا - ما حكاه القرآن بعد ذلك عنهم فى قوله { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }. أى ومن مظاهر مكر هؤلاء الرؤساء أنهم قالوا لأتباعهم. احذروا أن تتركوا عبادة آلهتكم، التى وجدتم على عبادتها آباءكم، واحذروا أيضا أن تتركوا عبادة هذه الأصنام الخمسة بصفة خاصة، وهى ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا. قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه وهذه أسماء أصنامهم التى كانوا يعبدونها من دون الله. فقد روى البخارى عن ابن عباس صارت الأوثان التى كانت فى قوم نوح فى العرب بعد، أما " ود " فكانت لقبيلة بنى كلب بدومة الجندل. وأما " سواع " فكانت لهذيل، وأما " يغوث " فكانت لبنى غطيف، وأما " يعوق " فكانت لهمدان، وأما " نسر " فكانت لحمير.

السابقالتالي
2 3 4