الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

الاستفهام فى قوله - تعالى - { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } للتعجيب من حال هؤلاء الذين كفروا، ومن تصرفاتهم التى تدل على منتهى الغفلة والجهل. و " ما " مبتدأ، و { الَّذِينَ كَفَرُواْ } خبره. وقوله { مُهْطِعِينَ } من الإِهطاع، وهو السير بسرعة، مع مد العنق، واتجاه البصر نحو شئ معين. و { عِزِينَ } جمع عزة - كفئة - وهى الجماعة. وأصلها عِزْوَة - بكسر العين - من العزو، لأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى، فلامها واو، وقيل لامها هاء، والأصل عزهة. قال القرطبى والعزين جماعات متفرقة. ومنه الحديث الذى خرجه مسلم وغيره، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فرآهم حِلَقا فقال مالى أراكم عزين ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصفوف الأول، ويتراصون فى الصف ". وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآيات، أن المشركين كانوا يجتمعون حول النبى صلى الله عليه وسلم ويستمعون إليه، ثم يكذبونه ويستهزئون به وبالمؤمنين، ويقولون لئن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم. والمعنى ما بال هؤلاء الكافرين مسرعين نحوك - أيها الرسول الكريم - وناظرين إليك بعيون لا تكاد تفارقك، وملتفين من حولك عن يمينك وعن شمالك، جماعات متعددة، ومظهرين التهكم والاستهزاء بك وبأصحابك؟ ما بالهم يفعلون ذلك مع علمهم فى قراءة أنفسهم بأنك أنت الصادق الأمين ". وقدم - سبحانه - الظرف { قِبَلَكَ } الذى بمعنى جهتك، على قوله { مُهْطِعِينَ } للاهتمام، حيث إن مقصدهم الأساسى من الإِسراع هو الاتجاه نحو النبى صلى الله عليه وسلم للاستهزاء به وبأصحابه. والمراد بقوله { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ } جميع الجهات، إلا أنه عبر بهاتين الجهتين، لأنهما الجهتان اللتان يغلب الجلوس فيهما حول الشخص. وقوله { عِزِينَ } تصوير بديع لالتفافهم من حوله متفرقة فى مشاربها، وفى مآربها، وفى طباعها. والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } للنفى والإِنكار. أى أيطمع كل واحد من هؤلاء الكافرين أن يدخل الجنة التى هى محل نعيمنا وكرامتنا بدون إيمان صادق، وبدون عمل نافع..؟ وقوله - سبحانه - { كَلاَّ } ردع لهم وزجر عن هذا الطمع، أى كلا ليس الأمر كما يزعمون من أنهم سيدخلون الجنة قبل المؤمنين أو معهم بعدهم.. وإنما هم سيكون مأواهم جهنم وبئس المصير. وقال - سبحانه - { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ } ولم يقل أيطمعون أن يدخلوا الجنة، للإِشعار بأن كل واحد من هؤلاء الكافرين كان طامعا فى دخولها، لاستيلاء الغرور والجهالة على قلبه.

السابقالتالي
2 3