الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } * { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } * { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } * { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } * { وَنَرَاهُ قَرِيباً } * { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } * { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } * { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } * { وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } * { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } * { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } * { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } * { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }

قوله - تعالى - { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأه الجمهور بإظهار الهمزة فى { سَأَلَ }. وقرأه نافع وابن عامر " سال " بتخفيف الهمزة. قال الجمل قرأ نافع وابن عامر بألف محضة، والباقون، بهمزة محققة وهى الأصل. فأما القراءة بالألف ففيها ثلاثة أوجه أحدها أنها بمعنى قراءة الهمزة، وإنما خففت بقلبها ألفا. والثانى أنها من سَاَلَ يَسَالُ، مثل خاف يخاف، والألف منقلبة عن واو، والواو منقلبة عن الهمزة. والثالث من السيلان، والمعنى سال واد فى جهنم بعذاب. فالألف منقلبة عن ياء. وقد حكى القرآن الكريم عن كفار مكة، أنهم كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء عن موعد العذاب الذى يتوعدهم به إذا ما استمروا على كفرهم، ويستعجلون وقوعه. قال - تعالى -وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقال - سبحانه -وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وعلى هذا يكون السؤال على حقيقته، وأن المقصود به الاستهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين. ومنهم من يرى أن سأل هنا بمعنى دعا. أى دعا داع على نفسه بعذاب واقع. قال الآلوسى ما ملخصه { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أى دعا داع به، فسؤال بمعنى الدعاء، ولذا عدى بالباء تعديته بها فى قولهيَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } والمراد استدعاء العذاب وطلبه.. وقيل إنها بمعنى " عن " كما فى قولهفَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } والسائل هو النضر بن الحارث - كما روى النسائى وجماعة وصححه الحاكم - حيث قال إنكارا واستهزاءٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل السائل أو جهل، حيث قالفَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } وعلى أية حال فسؤالهم عن العذاب، يتضمن معنى الإِنكار والتهكم، كما يتضمن معنى الاستعجال، كما حكته بعض الآيات الكريمة.. ومن بلاغة القرآن، تعدية هذا الفعل هنا بالباء، ليصلح لمعنى الاستفهام الإِنكارى، ولمعنى الدعاء والاستعجال. أى سأل سائل النبى صلى الله عليه وسلم سؤال تهكم، عن العذاب الذى توعد به الكافرين إذا ما استمروا على كفرهم. وتعجَّلَه فى وقوعه بل أضاف إلى ذلك - لتجاوزه الحد فى عناده وطغيانه - أن قالٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقال - سبحانه - { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } ولم يقل بعذاب سيقع، للإِشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب فى الدنيا والآخرة. أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل فى غزوة بدر وهو النضر بن الحارث، وأبو جهل وغيرهما، وأما فى الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى. ثم وصف - سبحانه - العذاب بصفات أخرى، غير الوقوع فقال { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6