الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَـٰلَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }

تلك هى قصة نوح مع قومه كما وردت فى هذه السورة، وقد وردت بصورة أكثر تفصيلا فى سورة هود، والمؤمنون، ونوح وغيرها. وقوله { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } جواب قسم محذوف، أى والله لقد أرسلنا نوحا إلى قومه والدليل على هذا القسم وجود لامه فى بدء الجملة. قال الآلوسى " واطرد استعمال هذه اللام مع قد فى الماضى - على ما قال الزمخشرى - وقل الاكتفاء بها وحدها. والسر فى ذلك أن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التى هي جوابها، فكانت مظنة لتوقع المخاطب حصول المقسم عليه، لأن القسم دل على الاهتمام فناسب ذلك إدخال قد ". وينتهى نسب نوح - عليه السلام - إلى شيث بن آدم - عليه السلام - وقد ذكر نوح فى القرآن فى ثلاث وأربعين موضعا. وقوم الرجل أقرباؤه الذين يجتمعون معه فى جد واحد. وقد يقيم الرجل بين الأجانب فيسميهم قومه مجازا للمجاورة. وكان قوم نوح يعبدون الأصنام فأرسل الله إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد. قال ابن كثير قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير كان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا، فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك الصالحين فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله - تعالى - رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ". وقوله { فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } حكاية لما وجهه نوح لقومه من إرشادات، أى قال لهم بتلطف وأدب تلك الكلمة التى وجهها كل رسول لمن أرسل إليهم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فإنه هو المستحق للعبادة، أما سواه فلا يملك نفعا أو ضرا. وكلمة { غَيْرُهُ } قرئت بالحركات الثلاث، بالرفع على أنها صفة لإِله باعتبار محله الذى هو الرفع على الابتداء أو الفاعلية. وقرأ الكسائى بالجر باعتبار اللفظ، وقرىء بالنصب على الاستثناء بمعنى، ما لكم من إله إلا إياه. ثم حكى القرآن أن نوحا حذر قومه من سوء عاقبة التكذيب، وأظهر لهم شفقته بهم وخوفه عليهم فقال { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أى إنى أخاف عليكم إذا ما سرتم فى طريق الكفر والضلال وتركتم عبادة الله وحده عذاب يوم عظيم، ووصف اليوم بالعظم لبيان عظم ما يقع فيه ولتكميل الإِنذار. قال صاحب الكشاف " فإن قلت ما موقع الجملتين بع قوله { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } قلت الأولى - وهى ما لكم من إله غيره - بيان لوجه اختصاصه بالعبادة، والثانية وهى - إنى أخاف.

السابقالتالي
2 3 4