الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

{ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً }. أصل النكد العسر القليل الذى لا يخرج إلا بعناء ومشقة. يقال نكد عيشه ينكد، اشتد وعسر. ونكدت البئر قل ماؤها، ومنه رجل نكد، ونكد وأنكد، شؤم عسر. وهم أنكاد ومناكيد. وقال فى اللسان والنكد قلة العطاء، قال الشاعر
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت، أعطيت تافها نكدا   
أى عطاء قليلا لا جدوى منه. والمعنى أن الأرض الكريمة التربة يخرج نباتها وافيا حسنا غزير النفع بمشيئة الله وتيسيره، والذى خبث من الأرض كالسبخة منها لا يخرج نباته إلا قليلا عديم الفائدة. فالأول مثل ضربه الله للمؤمن يقول هو طيب وعمله طيب. والثانى مثل للكافر، يقول هو خبيث وعمله خبيث، وفيهما بيان أن القرآن يثمر فى القلوب التى تشبه الأرض الطيبة التربة، ولا يثمر فى القلوب التى تشبه الأرض الرديئة السبخة. ونكدا منصوب على أنه حال أو على أنه نعت لمصدر محذوف والتقدير والذى خبث لا يخرج إلا خروجا نكدا. قال صاحب الكشاف " وهذا مثل لمن ينجح فيه الوعظ والتذكير من المكلفين، ولمن لا يؤثر فيه شىء من ذلك. وعن مجاهد آدم وذريته منهم خبيث وطيب. وعن قتادة المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله وانتفع به، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت. والكافر بخلاف ذلك. وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر. وإنزاله بالبلد الميت، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد " وقريب من معنى الآية الكريمة ما رواه الشيخان عن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به ". وقوله { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } أصل التصريف تبديل حال بحال ومنه تصريف الرياح. والآيات الدلائل الدالة على قدرة الله. أى مثل ذلك التصريف البديع والتنويع الحكيم نصرف الآيات الدالة على علمنا وحكمتنا ورحمتنا بالإِتيان بها على أنواع جلية واضحة لقوم يشكرون نعمنا، باستعمالها فيما خلقت له، فيستحقون مزيدنا منها وإثابتنا عليها. وعبر هنا بالشكر لأن هذه الآية موضوعها الاهتداء بالعلم والعمل والإِرشاد، بينما عبر فى الآية السابقة عليها بالتذكر لأن موضوعها يتعلق بالاعتبار والاستدلال على قدرة الله - تعالى - فى إحياء الموتى.

السابقالتالي
2