الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قوله - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } معطوف على ما سبق من قوله - تعالى -إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } لبيان مظاهر قدرته ورحمته. وقرأ حمزة والكسائى " الريح " بالافراد و { بُشْراً } - بضم الباء فسكون الشين - مخفف و { بُشُراً } - بضمتين - جمع بشير كنذر ونذير، أى مبشرات بنزول الغيث المستتبع لمنفعة الخلق. وقرأ أهل المدينة والبصرة " نشرا " - بضم النون والشين - جمع نشور - كصبور وصبر - بمعنى ناشر من النشر ضد الطى، وفعول بمعنى فاعل يطرد جمعه. وهناك قراءات أخرى غير ذلك. والمعنى وهو - سبحانه - الذى يرسل الرياح مبشرات عباده بقرب نزول الغيث الذى به حياة الناس. وقوله { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أى بين يدى المطر الذى هو من أبرز مظاهر رحمة الله بعباده. قال تعالىوَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } وقال تعالىوَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } قال الإِمام الرازى " وقوله { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } من أحسن أنواع المجاز، والسبب فى ذلك أن اليدين يستعملهما العرب فى معنى التقدمة على سبيل المجاز. يقال إن الفتن تحصل بين يدى الساعة يريدون قبيلها، كذلك مما حسن هذا المجاز أن يدى الإِنسان متقدمة، فكل ما كان يتقدم شيئا يطلق عليه لفظ اليدين على سبيل المجاز لأجل هذه المشابهة، فلما كانت الرياح تتقدم المطر، لا جرم عبر عنه بهذا اللفظ. وقوله { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } حتى غاية لقوله { يُرْسِلُ }. وأقلت أى حملت. وحقيقة أقله وجده قليلا ثم استعمل بمعنى حمله. لأن الحامل لشىء يستقل ما يحمله بزعم أنه ما يحمله قليل. و { سَحَاباً } أى غيما، سمى بذلك لانسحابه فى الهواء، وهو اسم جنس جمعى يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة، وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه ويجمع. و { ثِقَالاً } جمع ثقيلة من الثقل - كعنب - ضد الخفة. يقال ثقل الشىء - ككرم - ثقالا وثقالة فهو ثقيل وهى ثقيلة. والمعنى أن الله - تعالى - هو الذى يرسل الرياح مبشرات بنزول الغيث، حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا من كثرة ما فيها من الماء، سقناه - أى السحاب إلى " بلد ميت " أى إلى أرض لا نبات فيها ولا مرعى، فاهتزت وربت وأخرجت النبات والمرعى. فأطلق - سبحانه - الموت على الأرض التى لا نبات فيها، وأطلق الحياة على الأرض الزاخرة بالنبات والمرعى لأن حياتها بذلك. قال - تعالى -وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ }

السابقالتالي
2