الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

أى إن سيدكم ومالككم الذى يجب عليكم أن تفردوه بالعبادة هو الله الذى أنشأ السماوات والأرض على غير مثال سابق فى مقدار ستة أيام. قال الشهاب اليوم فى اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى فى ستة أوقات. وإن أريد المتعارف وهو زمان طلوع الشمس إلى غروبها فالمعنى فى مقدار ستة أيام، لأن اليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسماوات فيقدر فيه مضاف. وقال صاحب فتح البيان " قيل هذه الأيام من أيام الدنيا، وقيل من أيام الآخرة، قال ابن عباس يوم مقداره ألف سنة وبه قال الجمهور وقال سعيد ابن جبير، " كان الله قادرا على أن يخلق السماوات والأرض وما بينهما فى لمحة ولحظة، فخلقهن فى ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأنى فى الأمور ". وقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال الشيخ القاسمى ورد الاستواء على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الاستقرار، ومنه { وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ } وبمعنى القصد ومنه { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌْ } وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه. قال الفراء تقول العرب استوى إلى يخاصمنى أى قصد لى وأقبل على. ويأتى بمعنى الاستيلاء. قال الشاعر
* قد استوى بشر على العراق *   
ويأتى بمعنى العلو ومنه هذه الآية. قال البخاري فى آخر صحيحه فى كتاب الرد على الجهمية فى باب قوله - تعالى - { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ }. قال مجاهد استوى وعلا على العرش. وقال ابن راهويه سمعت غير واحد من المفسرين يقولٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } أى علا وارتفع. وعرش الله - كما قال الراغب - مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له - تعالى الله عن ذلك - لا محمولا. وقد ذكر العرش فى إحدى وعشرين آية. وذكر الاستواء على العرش فى سبع آيات. أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة إلى أنه صفة لله - تعالى - بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه - سبحانه - بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق بهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } وأنه يجب الإِيمان بها كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إليه - تعالى -. فعن أم سلمة - رضى الله عنها - فى تفسير قوله - تعالى -ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } أنها قالت الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والاقرار به من الإِيمان، والجحود به كفر. وقال الإِمام مالك الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإِيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال محمد بن الحسن اتفق الفقهاء جميعا على الإِيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.

السابقالتالي
2 3