الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } * { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } * { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

المعنى أن أصحاب الجنة سوف يسألون أهل النار سؤال تعيير وتوبيخ يوم القيامة فيقولون لهم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا من الثواب ومن الجزاء، فهل وجدتم أنتم ما وعدكم ربكم حقا من العقاب وسوء المصير؟ قالوا نعم. أى قال أهل النار نعم وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله حقا. وهذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة فى الجنة، وأهل النار فى النار. والظاهر أن هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار لأن الجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد. فكل فريق من أهل الجنة ينادى من كان يعرفه من الكفار فى دار الدنيا. وعبر بالماضى مع أن هذا النداء يكون فى الآخرة لتحقق الوقوع وتأكده. وكلمة { حَقّاً } نصبت فى الموضعين على الحالية، وقيل إنها مفعول ثان ويكون وجد بمعنى علم. ثم بين - سبحانه - ما جرى بعد ذلك فقال { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً }. التأذن رفع الصوت بالإِعلام بالشىء. واللعنة الطرد والإِبعاد مع الخزى والإِهانة. والمعنى بعد أن قامت الحجة على الكافرين وثبت الفوز للمؤمنين. نادى مناد بين الفريقين بقوله لعنة الله على الظالمين لأنفسهم، ولغيرهم، الذين من صفاتهم أنهم يمنعون الناس عن اتباع شريعة الله، ويريدون لها أن تكون معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها الناس، وهم بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب جاحدون مكذبون. وفى قوله { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ }. نكر المؤذن لأن معرفته غير مقصودة بل المقصود الإِعلام بما يكون هناك من الأحكام ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شىء، فهو من أمور الغيب التى لا تعلم علما صحيحا إلا بالتوقيف المستند إلى الوحى، وما ورد فى ذلك فهو من الآثار التى لا يعتمد عليها. قال بعض العلماء " وفى هاتين الآيتين تعرض السورة لمرحلة أخرى من مراحل العذاب، وهى نداء أصحاب الجنة لأصحاب النار نداء يسجل عليهم الخزى والنكال، ويشعرهم بالحسرة والندامة، إذ كذبوا بما يرونه الأن واقعا فى مقابلة النعيم الذى صار إليه أهل الإِيمان، وأحسوا به كذلك واقعا. وفى هذا نرى صورة من الحديث الذى يمثل الرضا والاطمئنان واللذة من جانب. ويمثل الحسرة والذلة والقلق من جانب آخر. ويصور الحكم النافذ الذى لا مرد له ولا محيص عنه يؤذن به مؤذن لا يدرك كنهه ولا يعلم من هو ولا ما صوته ولا كيف يلقى أذانه، ولا كيف يكون أثر هذا الأذن فى نفوس سامعه. وإنه لتصوير قوى بارع، يحرك إليه النفوس، ويهز المشاعر، ويبين أن النهاية الأليمة المتوقعة لهؤلاء المكذبين، إنما هى تسجيل اللعنة عليهم، والطرد والحرمان من رحمة الله، مشيرا إلى أسباب ذلك الحرمان الماثلة فى ظلمهم الذى كونه صدهم عن سبيل الله، وبغيهم إياها عوجا وانحرافا وكفرهم بدار الجزاء ".

السابقالتالي
2 3 4 5