الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

المعنى عليكم يا بنى آدم أن تتجملوا بما يستر عورتكم، وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلما صليتم أو طفتم، واحذروا أن تطوفوا بالبيت الحرام وأنتم عرايا. قال القرطبى " يا بنى آدم هو خطاب لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا، فإنه عام فى كل مسجد للصلاة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ". وقال ابن عباس " كان بعض العرب يطوفون بالبيت عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل. يقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها ". فأنزل الله - تعالى - { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. ثم أمرهم - سبحانه - أن يتمتعوا بالطيبات بدون إسراف أو تقتير فقال { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }. أى كلوا من المآكل الطيبة، واشربوا المشارب الحلال ولا تسرفوا لا فى زينتكم ولا فى مأكلكم أو مشربكم. لأنه - سبحانه - يكره المسرفين. قال الإِمام ابن كثير " قال بعض السلف جمع الله الطب فى نصف آية فى قوله { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } " وقال البخارى قال ابن عباس " كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة ". وقد كان السلف الصالح يقفون بين يدى الله فى عبادتهم وهم فى أكمل زينة، فهذا - مثلا - الإمام الحسن بن على، كان إذا قام إلى الصلاة لبس أحسن ثيابه فقيل له ياابن بنت رسول الله لم تلبس أجمل ثيابك؟ فقال إن الله جميل يحب الجمال، فأنا أتجمل لربى، لأنه هو القائل { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. وقال الكلبى " كانت بنو عامر لا يأكلون فى أيام حجهم إلا قوتا ولا يأكلون لحما ولا دسما يعظمون بذلك حجهم، فهم المسلمون أن يفعلوا كفعلهم فأنزل - تعالى - { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ }. فهذه الآية الكريمة تهدى الناس إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم، إذ أنها أباحت للمسلم أن يتمتع بالطيبات التى أحلها الله، ولكن بدون إسراف أو بطر، ولذا جاء الرد على المتنطعين الذين يضيقون على أنفسهم ما وسعه الله فى قوله - تعالى - بعد ذلك { قُلْ مَنْ حَرَّمَ... }.