الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

المعنى يا بنى آدم لا يصرفنكم الشيطان عن طاعة الله، بأن تمكنوه من أن يوقعكم فى المعاصى كما أوقع أبويكم من قبل فيها، فكان ذلك سبباً فى خروجهما من الجنة التى كانا يتمتعان بنعيمها. وقوله { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } جملة حالية من أبويكم. أى أخرجهما من الجنة حال كونه نازعاً عنهما لباسهما. وأسند النزع إلى الشيطان لأنه كان متسبباً فيه. ثم أكد تحذيرهم من الشيطان بجملة تعليلية فقال { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } أى إن الشيطان وجنوده يرونكم يا بنى آدم وأنتم لا ترونهم، فالجملة الكريمة تعليل للنهى السابق. وهو قوله { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ } وتأكيد للتحذير، لأن العدو إذا أتى من حيث لا يرى كان أشد وأخوف، ولذا قال مالك بن دينار " إن عدواً يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا على من عصمه الله ". وقوله { وَقَبِيلُهُ } معطوف على الضمير المستتر فى قوله { يَرَاكُمْ } المؤكد بقوله { هُوَ }. قال الآلوسى ما ملخصه والقضية مطلقة لا دائمة، فلا تدل على ما ذهب إليه المعتزلة من أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإِنس أصلا ولا يتمثلون. ويشهد لما قلنا ما صح من رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لأحدهم حين رام أن يشغله عن الصلاة فأمكنه الله منه، وأراد أن يربطه فى سارية من سوارى المسجد ثم ذكر دعوة سليمان فى قولهرَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } فتركه. ثم بين - سبحانه - سنته فى خلقه فقال { إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }. أى إنا صيرنا الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون، مسلطين عليهم، متمكنين من إغوائهم، لأن حكمتنا اقتضت أن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن، متجانسين مع الكافرين الذين هم شرار الإِنس. وبذلك نرى أن الآية الأولى التى ورد فيها النداء الأول قد ذكرت بنى آدم بجانب من نعم الله عليهم، ثم جاءت هذه الآية مصدرة بنداء آخر حذرتهم منه من وسوسة الشيطان ومداخله حتى لا يقعوا فيما وقع فيه أبوهم آدن من قبل. ثم حكى القرآن بعض القبائح التى كان يفعلها المشركون، ورد على أكاذيبهم بما يدحضها فقال { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً... }.