الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قال الآلوسى " عن ابن عباس أن قوماً من اليهود قالوا يا محمد، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا. إنا نعلم متى هى، وكان ذلك امتحاناً منهم، مع علمهم أن الله - تعالى - قد استاثر بعلمها. وأخرج ابن جرير عن قتادة أن جماعة من قريش قالوا يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة فنزلت ". وقوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } استئناف مسوق لبيان بعض أنواع ضلالهم وطغيانهم. والساعة فى الأصل اسم لمدار قليل من الزمان غير معين، وتطلق فى عرف الشرع على يوم القيامة وهو المراد بالسؤال هنا. وأطلق على يوم القيامة ساعة إما لوقوعه بغتة، أو لسرعة ما فيه من الحساب، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى-. و { أَيَّانَ } ظرف زمان متضمن معنى متى. و { مُرْسَاهَا } مصدر ميمى من أرساها إذا اثبته وأقره، ولا يكاد يستعمل الإِرساء إلا فى الشىء الثقيل كما فى قوله - تعالى -وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعانى بالأجسام. و { أَيَّانَ } خبر مقدم و { مُرْسَاهَا } مبتدأ مؤخر. والمعنى يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن الساعة قائلين أيان مرساها؟. أى متى إرساؤها واستقرارها، أو متى زمن مجيئها وحصولها؟. وقوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } جواب عن سؤالهم أى قل أيها الرسول الكريم علم الساعة أو علم قيامها عند ربى وحده ليس عندى ولا عند غيرى من الخلق شىء منه. والتعبير بإنما المفيد للحصر للاشعار بأنه - سبحانه - هو الذى استأثر بعلم ذلك ولم يخبر أحدا به من ملك مقرب أو نبى مرسل. وقوله { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإِخبار. والتجلية الكشف والإِظهار. يقال جلى لى الأمر وانجلى تجلية بمعنى كشفه وأظهره أتم الاظهار. والمعنى لا يكشف الحجاب عن خفائها، ولا يظهرها للناس فى الوقت الذى يختاره إلا الله وحده. قال بعضهم والسبب فى إخفاء الساعة عن العباد لكى يكونوا دائما على حذر، فيكون ذلك أدعى للطاعة وأزجر عن المعصية، فإنه متى علمها المكلف ربما تقاصر عن التوبة وأخرها. ثم عظم - سبحانه - أمر الساعة فقال { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى كبرت أو شقت على أهلها لخوفهم من شدائدها وأهوالها وما فيها من محاسبة ومجازاة، وعن السدى أن من خفى عليه علم شىء كان ثقيلا عليه. أو المعنى ثقلت عند الوقوع على نفس السماوات حتى انشقت وانتثرت نجومها وكورت شمسها، وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها، وسجرت بحارها، وقوله { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أى لا تأتيكم إلا فجأة وعلى حين غفلة من غير توقع ولا انتظار.

السابقالتالي
2 3 4