الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

قوله { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } معطوف على قولهوَلَقَدْ ذَرَأْنَا } قبل ذلك، لأن كلتيهما تفصيل لإِجمال قوله - تعالى -مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } أى وممن خلقنا للجنة - لأنه فى مقابلةوَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ } - أمة يهدون بالحق، أى يدعون إليه ويسيرون عليه، وبه يعدلون أى به يقضون وينصفون الناس. وقد وردت آثار تفيد أن المراد بهذه الأمة الأمة المحمدية ففى الصحيحين عن معاوية بن أبى سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة " ، وفى رواية " حتى يأمر الله وهم على ذلك " وقال قتادة بلغنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذا الآية يقول هذه لكم، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها. وعن الربيع بن أنس - فى هذه الآية - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أمتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل ". وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الإِجماع حجة فى كل عصر، وعلى أنه لا يخلو عصر من مجتهد إلى قيام الساعة. ثم ذكر - سبحانه - حال المكذبين فقال { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ }. الاستدراج - كما قال القرطبى - هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة. والدرج لف الشىء، يقال أدرجته ودرجته. ومنه أدرج الميت فى أكفانه. وقيل هو من الدرجة، فالاستدراج أن يحط درجة بعد درجة إلى المقصود. قال الضحاك كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة. وقال صاحب الكشاف الاستدراج استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة، ومنه درج الصبى إذا قارب بين خطوه، وأدرج الكتاب. طواه شيئا بعد شىء، ودرج القوم مات بعضهم فى أثر بعض. ومعنى { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم. { مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } ما يراد بهم. وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع انهماكهم فى الغى، فكلما جدد عليهم نعمة، ازدادوا بطرا وجددوا معصية، فيتدرجون فى المعاصى بسبب ترادف النعم، ظانين أن مواترة النعم محبة من الله وتقريب. وإنما هى خذلان منه وتبعيد، فهو استدراج من الله - تعالى - نعوذ بالله منه ". وقد قيل إذا رأيت الله - تعالى - أنعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج. وقوله { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } الإِملاء الإِمداد فى الزمن والإِمهال والتأخير، مشتق من الملاوة والملوة، وهى الطائفة الطويلة من الزمن.

السابقالتالي
2 3