الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قال صاحب المنار، هذه الآيات بدء سياق جديد فى شئون البشر العامة المتعلقة بهداية الله لهم بما أودع فى فطرتهم وركب فى عقولهم من الاستعداد للايمان به وتمجيده وشكره، فى إثر بيان هدايته لهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب فى قصة بنى إسرائيل. فالمناسبة بين هذا وما قبله ظاهرة، ولذلك عطف عليه عطف جملة على جملة أو سياق على سياق. قوله { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الظهور جمع ظهر وهو العمود الفقرى لهيكل الإِنسان الذى هو قوام بنيته. والذرية سلالة الإِنسان من الذكور والإِناث. وقوله { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل بعض من قوله { مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } و { ذُرِّيَّتَهُمْ } مفعول أخذ. والمعنى واذكر أيها الرسول وذكر كل عاقل وقت أن استخرج الله - تعالى - من أصلاب بنى آدم ذريتهم، وذلك الإِخراج أنهم كانوا نطفة فأخرجها - سبحانه - فى أرحام الأمهات، وجعلها علقة ثم مضغة، ثم جعلها بشراً سويا، وخلقا كاملا مكلفاً. قال الآلوسى وإيثار الأخذ على الإِخراج للإِيذان بشأن المأخوذ إذ ذاك لما فيه من الإِنباء عن الإِجتباء والاصطفاء وهو السبب فى إسناده إلى اسم الرب بطريق الالتفات مع ما فيه من التمهيد للاستفهام الآتى. وقيل إن إيثار الأخذ على الإِخراج لمناسبة ما تضمنته الآية من الميثاق، فإن الذى يناسبه هو الأخذ دون الإِخراج. والتعبير بالرب لما أن ذلك الأخذ باعتبار ما يتبعه من آثار الربوبية. وقوله { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أى أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته، وعجائب خلقه، وغرائب صنعته، وبما أودع فى قلوبهم من غريزة الإِيمان، وفى عقولهم من مدارك تهديهم إلى معرفة ربهم وخالقهم. وقوله { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } مقول لقول محذوف أى قائلا لهم - بعد أن أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل الوحدانية - ألست بربكم، ومالك أمركم، ومربيكم على الإِطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل فى شأن من شئونكم { قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ } أى قالوا بلى شهدنا على أنفسنا عن عقيدة وإقناع بأنك أنت ربنا وخالقنا ولا رب لنا سواك، فإن آثار رحمتك وعجائب خلقك، ومظاهر قدرتك تجعلنا لا نتردد فى هذه الشهادة. و { بَلَىٰ } حرف جواب، وتختص بالنفى فلا تقع إلا جوابه فتفيد إبطاله سواء أكان مجردا أم مقرونا بالاستفهام ولذلك قال ابن عباس وغيره، لو قالوا نعم لكفروا. لأن نعم حرف تصديق للمخبر بنفى أو إيجاب. قال صاحب الكشاف وقوله { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } من باب التمثيل ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التى ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع فى كلام الله - تعالى - وفى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفى كلام العرب.

السابقالتالي
2 3 4