الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

الآية الكريمة معطوفة على ما سبق من أحوال بنى إسرائيل بتقدير اذكر. ونتقنا من النتق وهو الزعزعة والرفع والجذب بشدة، يقال نتق الشىء ينتقه وينتقه، جذبه واقتلعه. والمراد بالجبل جبل الطور الذى سمع موسى عليه الكلام من ربه. قيل " إن موسى لما أتى بنى إسرائيل بالتوراة وقرأها عليهم وسمعوا ما فيها من التغليظ كبر ذلك عليهم، وأبوا أن يقبلوا ذلك، فأمر الله الجبل فانقطع من أصله حتى قام على رءوسهم مقدار عسكرهم، فلما نظروا إليه فوق رءوسهم خروا ساجدين، فسجدوا كل واحد منهم على خده وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفا من أن يسقط فوقهم. أى واذكر يا محمد وذكر بنى إسرائيل المعاصرين لك وقت أن رفعنا الجبل فوق آبائهم الذين كانوا فى عهد موسى حتى صار كأنه غمامة أو سقيفة فوق رءوسهم لنريهم آية من الآيات التى تدل على قدرتنا وعلى صدق نبينا موسى - عليه السلام -. قال بعض العلماء " ورفع الجبل فوقهم لإِرشادهم آية من آيات الله تقوى إيمانهم بأن التوراة منزلة من عند الله، وقوة الإِيمان من شأنها أن تدفع إلى العمل بها فى الكتاب المنزل بجد واجتهاد ". وقوله { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } أى ووقع فى نفوسهم أن الجبل ساقط عليهم إذا لم يستجيبوا لما أمرهم به نبيهم - عليه السلام -. قال الجمل وقوله { وَظَنُّوۤاْ } فيه أوجه أحدها أنه فى محل جر نسقا على نتقنا المخفوض بالظرف تقديرا. والثانى أنه حال، و " قد " مقدرة عند بعضهم، وصاحب الحال الجبل. أى كأنه ظلة فى حال كونه مظنونا وقوعه بهم. والثالث أنه مستأنف فلا محل له. والظن هنا على بابه، وقيل بمعنى اليقين ". وقوله { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف دل عليه المعنى. والتقدير وقلنا لهم خذوا ما آتيناكم بقوة، أى تمسكوا به واعملوا بما فيه بجد ونشاط، وتقبلوه بحسن استعداد وبدون تقصير أو تردد. والمراد بقوله { مَآ ءَاتَيْنَٰكُم } التوراة التى أنزلها الله على موسى لتكون هدى ونوراً لهم. وقوله { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } أى احفظوه وتدبروه وتدارسوه واعملوا به بلا تعطيل لشىء منه. قال القرطبى وهذا هو من المقصود من الكتب العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان فحسب، فقد روى النسائى عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن من شر الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن لا يرعوى إلى شىء منه ". و " لعل " فى قوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } إما للتعليل فيكون المعنى خذوا الكتاب بجد وعزم، واعملوا بما فيه بصدق وطاعة لتتقوا الهلاك فى دنياكم وآخرتكم.

السابقالتالي
2