الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

أى قال إبليس لله - تعالى - أخرنى ولا تمتنى إلى يوم بعث آدم وذريته من القبور، وهو وقت النفخة الثانية عند قيام الساعة. وقد أراد بذلك النجاة من الموت إذ لا موت بعد البعث. كما أراد بذلك أن يجد فسحة من الإغواء لبنى آدم. وقوله { أَنظِرْنِي } مأخوذ من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير. تقول أنظرته بحقى أنظره إنظارا أى أمهلته. وقوله { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } معناه قال الله - تعالى - له إنك من المؤخرين إلى يوم الوقت المعلوم كما جاء فى قوله - تعالى -قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وهو - على الراجح - وقت النفخة الأولى فيموت كما يموت غيره. وقيل المراد به الوقت المعلوم فى علم الله أنه يموت فيه. قال ابن كثير أجابه الله - تعالى - إلى ما سأل. لما له فى ذلك من الحكمة والإِرادة والمشيئة التى لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب. ثم حكى القرآن ما توعد به إبليس آدم وذريته من كيد وأذى فقال { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }. الباء للقسم أو للسببية أى فأقسم بإغوائك إياى، أو بسبب إغوائك إياى، لأترصدن لآدم وبنيه على طريق الحق وسبيل النجاة، كما يترصد قطاع الطرق للسائرين فيها فأصدنهم عنها وأحاول بكل السبل أن أصرفهم عن صراطك المستقيم، ولن أتكاسل عن العمل على إفسادهم وإضلالهم. والإِغواء خلق الغى بمعنى الضلال. وأصل الغى الفساد، ومنه غوى الفصيل - كرضى - غوى، إذا بشم من اللبن ففسدت معدته، أو منع الرضاع فهزل وكاد يهلك، ثم استعمل فى الضلال، يقال غوى يغوى غياً وغواية فهو غاو، وغوى إذا ضل، وأغواه غيره أضله. وقوله { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } زيادة بيان لحرص الشيطان على إضلال بنى آدم بشتى الوسائل، أى آتيهم من الجهات الأربع التى اعتاد العدو أن يهاجم عدوه منها، والمراد لأسولنّ لهم ولأضلنّهم بحيث لا أفتر عن ذلك ولا أيأس. وقيل إن معنى { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أى من قبل الآخرة لأنها مستقبلة آتية، وما هو كذلك فكأنه بين الأيدى. { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أى من قبل الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } أى من جهة حسناتهم وسيئاتهم بحيث أزين لهم السيئات وأزهدهم فى الحسنات. وقوله { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } أى مطيعين مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم فى طريق الطاعة والتقرب إلى الله. وإنما قال ذلك لما رآه من الأمارات على طريق الظن كقوله - تعالى -

السابقالتالي
2