الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قوله - تعالى - { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ }... الخ. معطوف على اذكر المقدر فى قوله - تعالى -وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ } والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وضمير الغيبة للمعاصرين له من اليهود. أى سل يا محمد هؤلاء اليهود المعاصرين لك كيف كان حال أسلافهم الذين تحايلوا على استحلال محارم الله فإنهم يجدون أخبارهم فى كتبهم ولا يستطيعون كتمانها. والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، ولا يعرضوا أنفسهم لعقوبات كالتى نزلت بسابقيهم، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم والتى لا يستطيعون إنكارها، والتى لا تعلم إلا بكتاب أو وحى، فإذا أخبرهم بها النبى الأمى الذى لم يقرأ كتابهم كان ذلك معجزة له. ودليلا على أنه نبى صادق موحى إليه بها. قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة أى واسأل - يا محمد - هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على اعتدائهم واحتيالهم فى المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التى يجدونها فى كتبهم " لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وهذه القرية هى " أيلة " وهى على شاطىء بحر القلزم، أى - البحر الأحمر -. وقال الإِمام القرطبى وهذا سؤال تقرير وتوبيخ، وكان ذلك علامة لصدق النبى صلى الله عليه وسلم إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، لأنا من سبط إسرائيل. ومن سبط موسى كليم الله، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم، فقال الله - عزل وجل - لنبيه سلهم - يا محمد - عن القرية. أما عذبتهم بذنوبهم، وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة. وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية. قرية أيلة التى تقع بين مدين والطور، وقيل هى قرية طبرية، وقيل هى مدين. ومعنى كونها { حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } قريبة منه، مشرفة على شاطئه، تقول كنت بحضرة الدار أى قريبا منها. وقوله { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أى يظلمون ويتجاوزون حدود الله - تعالى - بالصيد فى يوم السبت ويعدون بمعنى يعتدون، يقال عدا فلان الأمر واعتدى إذا تجاوز حده. وقوله تعالى { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } بيان لموضع الاختبار والامتحان. و { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ } ظرف ليعدون. وحيتان جمع حوت وهو السمك الكبير. وشرعا أى شارعة ظاهرة على وجه الماء. جمع شارع، من شرع عليه إذا دنا وأشرف وكل شىء دنا من شىء فهو شارع، وقوله شرعا حال من الحيتان. والمعنى إذ تأتيهم حيتانهم فى وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة، فإذا مر يوم السبت وانتهى لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه، ابتلاء من الله - تعالى - لهم.

السابقالتالي
2 3 4 5