الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

قوله { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } اى فرقنا قوم موسى وصيرناهم اثنتى عشرة أمة تتميز كل أمة عن الأخرى. والأسباط فى بنى إسرائيل كالقبائل فى العرب. والسبط ولد الولد فهو كالحفيد. وقد يطلق السبط على الولد. وكان بنو إسرائيل اثنتى عشرة قبيلة من اثنى عشر ولداً هم أولاد يعقوب - عليه السلام - قالوا والظاهر أن قطعناهم متعد لواحد لأنه لم يضمن معنى ما يتعدى لاثنين، فعلى هذا يكون اثنتى عشرة حالا من مفعول { قَطَّعْنَاهُمُ } وهو ضمير الغائبين " هم ". ويرى الزمخشرى وغيره أن " قطعناهم " بمعنى صيرناهم وأن { ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ } مفعول ثان، وتمييز اثنتى محذوف لفهم المعنى والتقدير وقطعناهم اثنتى عشرة فرقة. و { أَسْبَاطاً } بدل من ذلك التمييز، و { أُمَماً } بدل بعد بدل من اثنتى عشرة. والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها من أخبار بنى إسرائيل، لمشاركتها لها فى كل ما يقصد به من العظات والعبر. وقوله { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً }. الاستسقاء طلب السقيا عند عدم الماء أو حبس المطر. وذلك عن طريق الدعاء لله - تعالى - فى خشوع واستكانة، وقد سأل موسى - عليه السلام - ربه أن يسقى بنى إسرائيل الماء بعد أن استبد بهم العطش بعد ما كانوا فى التيه. فعن ابن عباس أنه قال كان ذلك فى التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها. وقيل كان الاستسقاء فى البرية ولكن الآثار التى تدل على أنه كان فى التيه أصح وأكثر. والمعنى وأوحينا إلى موسى حين طلب منه قومه الماء أن اضرب بعصاط الحجر فضربه فخرج منه الماء من اثنتى عشرة عينا ليروا بأعينهم مظاهر قدرتنا، وليشاهدوا دليلا من الأدلة المتعددة التى تؤيد موسى فى أنه صادق فيما يبلغه عن ربه - عز وجل -. وقوله { إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } يفيد أن الذى سأل ربه السقيا هو موسى وحده، لتظهر كرامته لدى ربه عند قومه، وليشاهدوا بأعينهم كيف أن الله - تعالى - قد أكرمه حيث أجاب دعاءه ففجر لهم الماء من الحجر. وال فى { ٱلْحَجَرَ } لتعريف الجنس، أى اضرب أى حجر شئت بدون تعيين، وقيل للعهد، ويكون المراد حجرا معينا معروفا لموسى - عليه السلام - بوحى من الله - تعالى - وقد أورد بعض المفسرين فى ذلك آثاراً حكم عليها المحققون من العلماء بالضعف، ولذا لم نعتد بها. والذى نرجحه أن " أل " هنا لتعريف الجنس، لأن انفجار الماء من أى حجر بعد ضربه أظهر فى إقامة البرهان على صدق موسى - عليه السلام - وأدعى لإِيمان بنى إسرائيل وانصياعهم للحق بعد وضوحه، وأبعد عن التشكيك فى إكرام الله لنبيه موسى، إذ لو كان انفجار الماء من حجر معين لأمكن أن يقولوا إن انفجار الماء منه لمعنى خاص بهذا الحجر، وليس لكرامة موسى عند ربه - عز وجل -.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7